وَعَلَى رَبِّ مَالِكٍ، ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ، قَالَ: فَيَسْكُتُ عَنْهُمْ قَدْرَ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يرد عليهم: اخسؤوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا نَبَسَ الْقَوْمُ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ، وَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَشَّبَهَ أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ، أَوَّلُهَا زَفِيرٌ وَآخِرُهَا شَهِيقٌ. (١)
{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠) قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) } .
{لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ} يَقُولُ أَرْسَلَنَا إِلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ رَسُولَنَا بِالْحَقِّ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} .
{أَمْ أَبْرَمُوا} أَمْ أَحْكَمُوا {أَمْرًا} فِي الْمَكْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} مُحْكِمُونَ أَمْرًا فِي مُجَازَاتِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ كَادُوا شَرًّا كِدْتُهُمْ مِثْلَهُ.
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} مَا يُسِرُّونَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَيَتَنَاجَوْنَ بِهِ بَيْنَهُمْ، {بَلَى} نَسْمَعُ ذَلِكَ وَنَعْلَمُ، {وَرُسُلُنَا} أَيْضًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَعْنِي الْحَفَظَةَ، {لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} .
{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} يَعْنِي إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فِي قَوْلِكُمْ وَعَلَى زَعْمِكُمْ، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ عَبَدَهُ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا وَلَدَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنْ كَانَ} أَيْ مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الشَّاهِدِينَ لَهُ بِذَلِكَ، جَعَلَ: "إِنْ" بِمَعْنَى الْجَحْدِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ عَبَدَهُ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا وَلَدَ لَهُ.
وَقِيلَ: "الْعَابِدِينَ" بِمَعْنَى الْآنِفِينَ، أَيْ: أَنَا أَوَّلُ الْجَاحِدِينَ وَالْمُنْكِرِينَ لِمَا قُلْتُمْ.
وَيُقَالُ: مَعْنَاهُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ غَضِبَ لِلرَّحْمَنِ أَنْ يُقَالَ لَهُ وَلَدٌ، يُقَالُ: عَبَدَ يَعْبُدُ إِذَا أَنِفَ وَغَضِبَ.
وَقَالَ قَوْمٌ: قُلْ مَا يُقَالُ: عَبَدَ فَهُوَ عَابِدٌ، إِنَّمَا يُقَالُ: فَهُوَ عَبْدٌ.
ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ فَقَالَ: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} عَمَّا يَقُولُونَ مِنَ الْكَذِبِ.
{فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا} فِي بَاطِلِهِمْ، {وَيَلْعَبُوا} فِي دُنْيَاهُمْ، {حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(١) أورده الهيثمي في المجمع: ١٠ / ٣٩٦ ثم قال: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح".