فَأَدْنَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، وَأَنَامَنِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَأَلْقَى عَلَيَّ طَرَفَ ثَوْبِهِ، وَأَلْزَقَ صَدْرِي بِبَطْنِ قَدَمَيْهِ فَلَمْ أَزَلْ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحْتُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ: قُمْ يَا نَوْمَانُ (١) .
{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (١٠) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} أَيْ: مِنْ فَوْقِ الْوَادِي مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَهُمْ أَسَدٌ، وَغَطَفَانُ، وَعَلَيْهِمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي أَلْفٍ مِنْ غَطَفَانَ، وَمَعَهُمْ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيُّ فِي بَنِي أَسَدٍ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ فِي يَهُودِ بَنِي قُرَيْظَةَ، {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} يَعْنِي: مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، وَهُمْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ، عَلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي قُرَيْشٍ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَأَبُو الْأَعْوَرِ عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ السُّلَمِيُّ مِنْ قِبَلِ الْخَنْدَقِ.
وَكَانَ الَّذِي جَرَّ غَزْوَةَ الْخَنْدَقِ -فِيمَا قِيلَ-إِجْلَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِيرِ مِنْ دِيَارِهِمْ.
{وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ} مالت وشخصت ٧٨/ب مِنَ الرُّعْبِ، وَقِيلَ: مَالَتْ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ تَنْظُرْ إِلَى عَدُوِّهَا، {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} فَزَالَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا حَتَّى بَلَغَتِ الْحُلُوقَ مِنَ الْفَزَعِ، وَالْحَنْجَرَةُ: جَوْفُ الْحُلْقُومِ، وَهَذَا عَلَى التَّمْثِيلِ، عَبَّرَ بِهِ عَنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ جَبُنُوا وَسَبِيلُ الْجَبَانِ إِذَا اشْتَدَّ خَوْفُهُ أَنْ تَنْتَفِخَ رِئَتُهُ فَإِذَا انْتَفَخَتِ الرِّئَةُ رَفَعَتِ الْقَلْبَ إِلَى الْحَنْجَرَةِ، وَلِهَذَا يُقَالُ لِلْجَبَانِ: انْتَفَخَ سَحْرُهُ.
{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} أَيْ: اخْتَلَفَتِ الظُّنُونُ؛ فَظَنَّ الْمُنَافِقُونَ اسْتِئْصَالَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ عَنْهُمْ، وَظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ لَهُمْ.
قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَأَبُو بَكْرٍ: "الظَّنُونَا" وَ"الرَّسُولَا" وَ"السَّبِيلَا" بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَصْلًا وَوَقْفًا، لِأَنَّهَا مُثْبَتَةٌ فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَحَمْزَةُ بِغَيْرِ الْأَلْفِ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْأَلِفِ فِي الْوَقْفِ دُونَ الوصل لموافقة رؤس الْآيِ. {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ} أَيْ: عِنْدَ ذَلِكَ اخْتُبِرَ الْمُؤْمِنُونَ، بِالْحَصْرِ وَالْقِتَالِ، لِيَتَبَيَّنَ الْمُخْلِصُ مِنَ الْمُنَافِقِ، {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} حُرِّكُوا حَرَكَةً شَدِيدَةً.
(١) أخرجه مسلم في الجهاد باب: غزو الأحزاب برقم (١٧٨٨) : ٣ / ١٤١٤-١٤١٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute