للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (١٧) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (١٩) }

{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ} أَيْ: يَمْنَعُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ، {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا} هَزِيمَةً، {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} نُصْرَةً، {وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا} أَيْ: قَرِيبًا يَنْفَعُهُمْ، {وَلَا نَصِيرًا} أَيْ: نَاصِرًا يَمْنَعُهُمْ. {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} أَيْ: الْمُثَبِّطِينَ لِلنَّاسِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} أَيْ: ارْجِعُوا إِلَيْنَا، وَدَعُوا مُحَمَّدًا، فَلَا تَشْهَدُوا مَعَهُ الْحَرْبَ، فَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكُمُ الْهَلَاكَ.

قَالَ قَتَادَةُ: هَؤُلَاءِ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، كَانُوا يُثَبِّطُونَ أَنْصَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ: مَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَكْلَةُ رَأْسٍ، وَلَوْ كَانُوا لَحْمًا لَالْتَهَمَهُمْ، أَيِ: ابْتَلَعَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ، دَعُوا الرَّجُلَ فَإِنَّهُ هَالِكٌ (١) .

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ أَرْسَلَتْ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، وَقَالُوا: مَا الَّذِي يَحْمِلُكُمْ عَلَى قَتْلِ أَنْفُسِكُمْ بِيَدِ أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ قَدَرُوا عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ لَمْ يَسْتَبْقُوا مِنْكُمْ أَحَدًا، وَإِنَّا نُشْفِقُ عَلَيْكُمْ، أَنْتُمْ إِخْوَانُنَا وَجِيرَانُنَا هَلُمُّوا إِلَيْنَا، فَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبِيٍّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يَعُوقُونَهُمْ وَيُخَوِّفُونَهُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالُوا: لَئِنْ قَدَرُوا عَلَيْكُمْ لَمْ يَسْتَبْقُوا مِنْكُمْ أَحَدًا مَا تَرْجُونَ مِنْ مُحَمَّدٍ؟ مَا عِنْدَهُ خَيْرٌ، مَا هُوَ إِلَّا أن يقتلنا ها هنا، انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا، يَعْنِي الْيَهُودَ، فَلَمْ يَزْدَدِ الْمُؤْمِنُونَ بِقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ إِلَّا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا (٢) .

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} ٧٩/أالْحَرْبَ {إِلَّا قَلِيلًا} رِيَاءً وَسُمْعَةً مِنْ غَيْرِ احْتِسَابٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْقَلِيلُ لِلَّهِ لَكَانَ كَثِيرًا. {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} بُخَلَاءَ بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالنُّصْرَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: بُخَلَاءٌ عِنْدَ الْغَنِيمَةِ، وَصْفَهُمُ اللَّهُ بِالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، فَقَالَ: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ} في الرؤوس مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُبْنِ {كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} أَيْ: كَدَوَرَانِ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ،


(١) أخرجه الطبري: ٢١ / ١٣٩.
(٢) انظر: زاد المسير: ٦ / ٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>