دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ [وَالِدُ] مَرْيَمَ وَعِيسَى. وَقِيلَ: عِمْرَانُ بْنُ مَاثَانَ وَإِنَّمَا خَصَّ هَؤُلَاءِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ كُلَّهُمْ مِنْ نَسْلِهِمْ {عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً} اشْتِقَاقُهَا مِنْ ذَرَأَ بِمَعْنَى خَلَقَ، وَقِيلَ: مِنَ الذَّرِّ لِأَنَّهُ اسْتِخْرَاجُهُمْ مِنْ صلب آدم ٥٦/ب كَالذَّرِّ، وَيُسَمَّى الْأَوْلَادُ وَالْآبَاءُ ذُرِّيَّةً، فَالْأَبْنَاءُ ذُرِّيَّةٌ لِأَنَّهُ ذَرَأَهُمْ، وَالْآبَاءُ ذُرِّيَّةٌ لِأَنَّهُ ذَرَأَ الْأَبْنَاءَ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ " (٤١ -يس) أَيْ آبَاءَهُمْ
{ذُرِّيَّةً} نُصِبَ عَلَى مَعْنَى وَاصْطَفَى ذُرِّيَّةً {بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} أَيْ بَعْضُهَا مِنْ وَلَدِ بَعْضٍ، [وَقِيلَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فِي التَّنَاصُرِ] (١) وَقِيلَ: بَعْضُهَا عَلَى دِينِ بَعْضٍ {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
{إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) }
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ} وَهِيَ حَنَّةُ بِنْتُ قَافُوذَا أُمُّ مَرْيَمَ، وَعِمْرَانُ هُوَ عِمْرَانُ بْنُ مَاثَانَ وَلَيْسَ بِعِمْرَانَ أَبِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَيْنَهُمَا أَلْفٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً، وَكَانَ بنو ماثان رؤوس بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَحْبَارَهُمْ وَمُلُوكَهُمْ وَقِيلَ: عِمْرَانُ بْنُ أَشْهَمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} أَيْ جَعَلْتُ الَّذِي فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا نَذْرًا مِنِّي لَكَ {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وَالنَّذْرُ: مَا يُوجِبُهُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ {مُحَرَّرًا} أَيْ عَتِيقًا خَالِصًا لِلَّهِ مُفْرَغًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَلِخِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ لَا أَشْغَلُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَكُلُّ مَا أُخْلِصَ فَهُوَ مُحَرَّرٌ يُقَالُ: حَرَّرْتُ الْعَبْدَ إِذَا أَعْتَقْتُهُ وَخَلَّصْتُهُ مِنَ الرِّقِّ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا: كَانَ الْمُحَرَّرُ إِذَا حُرِّرَ جُعِلَ فِي الْكَنِيسَةِ يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَكْنُسُهَا وَيَخْدِمُهَا وَلَا يَبْرَحُهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْحُلُمَ، ثُمَّ يُخَيَّرُ إِنْ أَحَبَّ أَقَامَ وَإِنْ أَحَبَّ ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ التَّخْيِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ إِلَّا وَمِنْ نَسْلِهِ مُحَرَّرًا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَلَمْ يَكُنْ مُحَرَّرًا إِلَّا الْغِلْمَانُ، وَلَا تَصْلُحُ لَهُ الْجَارِيَةُ لِمَا يُصِيبُهَا مِنَ الْحَيْضِ وَالْأَذَى، فَحَرَّرَتْ أَمُّ مَرْيَمَ مَا فِي بَطْنِهَا، وَكَانَتِ الْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ زَكَرِيَّا وَعِمْرَانَ تَزَوَّجَا أُخْتَيْنِ، وَكَانَتْ أَشْيَاعُ بِنْتُ قَافُوذَا أُمُّ يَحْيَى عِنْدَ زَكَرِيَّا، وَكَانَتْ حَنَّةُ بِنْتُ قَافُوذَا أُمُّ مَرْيَمَ عِنْدَ عِمْرَانَ، وَكَانَ قَدْ أُمْسِكَ عَنْ حَنَّةَ الْوَلَدُ حَتَّى أَسَنَّتْ وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ بَصُرَتْ بِطَائِرٍ يُطْعِمُ فَرْخًا فَتَحَرَّكَتْ بِذَلِكَ نَفْسُهَا لِلْوَلَدِ فَدَعَتِ اللَّهَ أَنْ يَهَبَ لَهَا وَلَدًا وَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَكَ عَلَيَّ إِنْ رَزَقْتَنِي وَلَدًا أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ
(١) ساقط من "أ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute