{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) }
{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} أَيْ: فِي شَكٍّ مِمَّا أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: مَا بَالُهُ ذَكَرَهَا بِخَيْرٍ ثُمَّ ارْتَدَّ عَنْهَا. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: "مِنْهُ" أَيْ مِنَ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: مِنَ الدِّينِ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ. {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} يَعْنِي: الْقِيَامَةَ. وَقِيلَ: الْمَوْتُ، {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} قَالَ الضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ: عَذَابُ يَوْمٍ لَا لَيْلَةَ لَهُ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ الْعَقِيمَ يَوْمُ بَدْرٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ السَّاعَةَ مِنْ قَبْلُ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَسُمِّيَ يَوْمَ بَدْرٍ عَقِيمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلْكُفَّارِ خَيْرٌ، كَالرِّيحِ الْعَقِيمِ الَّتِي لَا تَأْتِي بِخَيْرٍ، سَحَابٌ وَلَا مَطَرَ، [وَالْعُقْمُ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ، يُقَالُ: رَجُلٌ عَقِيمٌ إِذَا مُنِعَ مِنَ الْوَلَدِ] (١) . وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ فِي عِظَمِ أَمْرِهِ لِقِتَالِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا فِيهِ إِلَى اللَّيْلِ حَتَّى قُتِلُوا قَبْلَ الْمَسَاءِ. {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ} يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {لِلَّهِ} وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ، {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} ثُمَّ بَيَّنَ الْحُكْمَ، فَقَالَ تَعَالَى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} . {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فَارَقُوا أَوْطَانَهُمْ وَعَشَائِرَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَطَلَبِ رِضَاهُ، {ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا} وَهُمْ كَذَلِكَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ "قُتِّلُوا" بِالتَّشْدِيدِ {لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا} وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ أَبَدًا هُوَ رِزْقُ الْجَنَّةِ، {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} قِيلَ: هُوَ قَوْلُهُ: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آلِ عِمْرَانَ: ١٦٩) .
(١) ما بين القوسين زيادة من "ب".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute