{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (١٢) }
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ} أَيْ دِينَهُ وَرَسُولَهُ، {يَنْصُرْكُمْ} عَلَى عَدُوِّكُمْ، {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} عِنْدَ الْقِتَالِ.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بُعْدًا لَهُمْ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سُقُوطًا لَهُمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: خَيْبَةً لَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: شَقَاءً لَهُمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ. وَقِيلَ: فِي الدُّنْيَا الْعَثْرَةُ، وَفِي الْآخِرَةِ التَّرَدِّي فِي النَّارِ. وَيُقَالُ لِلْعَاثِرِ: تَعْسًا إِذَا لَمْ يُرِيدُوا قِيَامَهُ، وَضِدُّهُ لَعًا إِذَا أَرَادُوا قِيَامَهُ (١) ، {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ.
{ذَلِكَ} التَّعْسُ وَالْإِضْلَالُ، {بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} .
ثُمَّ خَوَّفَ الْكُفَّارَ فَقَالَ: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} أَيْ أَهْلَكَهُمْ، {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، يَتَوَعَّدُ مُشْرِكِي مَكَّةَ.
{ذَلِكَ} الَّذِي ذَكَرْتُ، {بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا} وَلِيُّهُمْ وَنَاصِرُهُمْ، {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} ١٢٧/ألَا نَاصِرَ لَهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ مَآلَ الْفَرِيقَيْنِ فَقَالَ:
{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ} فِي الدُّنْيَا، {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ} لَيْسَ لَهُمْ هِمَّةً إِلَّا بُطُونُهُمْ وَفُرُوجُهُمْ، وَهُمْ لَاهُونَ سَاهُونَ عَمَّا فِي غَدٍ، قِيلَ: الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا يَتَزَوَّدُ، وَالْمُنَافِقُ يَتَزَيَّنُ، وَالْكَافِرُ يَتَمَتَّعُ، {وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} .
(١) انظر: لسان العرب، مادة "تعس": ٦ / ٣٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute