للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبْيَنَ، أَوْ بِبَلَدٍ آخَرَ أَذَاقَهُ اللَّهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِلَّا أَنْ يَتُوبَ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ فُسْطَاطَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْحِلِّ وَالْآخَرُ فِي الْحَرَمِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَهْلَهُ عَاتَبَهُمْ فِي الْآخَرِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ مِنَ الْإِلْحَادِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ كَلَّا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ (١) .

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} أَيْ: وَطَّأْنَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلْنَا. وَقِيلَ: بَيَّنَّا قَالَ الزَّجَّاجُ: جَعَلْنَا مَكَانَ الْبَيْتِ [مُبَوَّءًا لِإِبْرَاهِيمَ.

وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هَيَّأْنَا. وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا مَكَانَ الْبَيْتِ] (٢) لِأَنَّ الْكَعْبَةَ رُفِعَتْ إِلَى السَّمَاءِ زَمَانَ الطُّوفَانِ، ثُمَّ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَبْنِي فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا خَجُوجًا فَكَنَسَتْ لَهُ مَا حَوْلَ الْبَيْتِ عَلَى الْأَسَاسِ (٣) .

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً بِقَدْرِ الْبَيْتِ فَقَامَتْ بِحِيَالِ الْبَيْتِ وَفِيهَا رَأْسٌ يَتَكَلَّمُ يَا إِبْرَاهِيمُ ابْنِ عَلَى قَدْرِي فَبَنَى عَلَيْهِ (٤) . قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} أَيْ: عَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَقُلْنَا لَهُ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا، {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} يَعْنِي: الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، {وَالْقَائِمِينَ} أَيِ: الْمُقِيمِينَ، {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} أَيِ: الْمُصَلِّينَ. {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ} أَيْ: أَعْلِمْ وَنَادِ فِي النَّاسِ، {بِالْحَجِّ} فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ فَقَالَ: عَلَيْكَ الْأَذَانُ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى الْمَقَامِ فَارْتَفَعَ الْمَقَامُ حَتَّى صَارَ كَأَطْوَلِ الْجِبَالِ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ بَنَى بَيْتًا وَكَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ إِلَى الْبَيْتِ فَأَجِيبُوا رَبَّكُمْ، فَأَجَابَهُ كُلُّ مَنْ كَانَ يَحُجُّ مِنْ أَصْلَابِ الْآبَاءِ وَأَرْحَامِ


(١) ذكر هذه الأقوال الطبري: ١٧ / ١٣٨ - ١٤٢، ثم قال: وأولى الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك بالصواب: القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود وابن عباس من أنه معنى بالظلم في هذا الموضع، كل معصية لله، وذلك أن الله عم بقوله: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) ، ولم يخصص به ظلم دون ظلم في خير ولا عقل، فهو على عمومه.
(٢) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٣) انظر الطبري: ١٧ / ١٤٣.
(٤) انظر الدر المنثور: ٦ / ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>