للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتُبَايِعُونَهُ عَلَى حَرْبِنَا، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ أَبْغَضُ إِلَيْنَا أَنْ تَنْشَبَ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ [مِنْكُمْ] (١) قَالَ: فَانْبَعَثَ مَنْ هُنَاكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ لَهُمْ بِاللَّهِ: مَا كَانَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَمَا عَلِمْنَاهُ وَصَدَقُوا، وَلَمْ يَعْلَمُوا، وَبَعْضُنَا يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ، وَقَامَ الْقَوْمُ وَفِيهِمُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ [الْمَخْزُومِيُّ] (٢) وَعَلَيْهِ نَعْلَانِ جَدِيدَانِ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ كَلِمَةً كَأَنِّي أريد أن ٦٦/أأُشْرِكَ الْقَوْمَ بِهَا فِيمَا قَالُوا يَا جَابِرُ أَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَّخِذَ وَأَنْتَ سَيِّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا مِثْلَ نَعْلَيْ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ فَسَمِعَهَا الْحَارِثُ فَخَلَعَهُمَا مِنْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رَمَى بِهِمَا إِلَيَّ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَتَنْتَعِلَنَّهُمَا قَالَ يَقُولُ أَبُو جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَهْ وَاللَّهِ أَحْفَظْتَ الْفَتَى فَارْدُدْ إِلَيْهِ نَعْلَيْهِ، قَالَ: لَا أَرُدُّهُمَا فَأْلٌ -وَاللَّهِ -صَالِحٌ وَاللَّهِ لَئِنْ صَدَقَ الْفَأْلُ [لَأَسْلُبَنَّهُ] (٣) .

قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ الْأَنْصَارُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَدْ شَدَّدُوا الْعَقْدَ، فَلَمَّا قَدِمُوهَا أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بِهَا وَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَآذَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ فِيهَا" فَأَمَرَهُمْ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ.

فَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، ثُمَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ ثُمَّ تَتَابَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَمَعَ اللَّهُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَوْسَهَا وَخَزْرَجَهَا بِالْإِسْلَامِ، وَأَصْلَحَ ذَاتَ بَيْنِهِمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٤) .

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} قَبْلَ الْإِسْلَامِ {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} بِالْإِسْلَامِ، {فَأَصْبَحْتُمْ} أَيْ فَصِرْتُمْ، {بِنِعْمَتِهِ} بِرَحْمَتِهِ وَبِدِينِهِ الْإِسْلَامِ، {إِخْوَانًا} فِي الدِّينِ وَالْوِلَايَةِ بَيْنَكُمْ {وَكُنْتُمْ} يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ {عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} أَيْ عَلَى طَرَفِ حُفْرَةٍ مِثْلِ شَفَا الْبِئْرِ مَعْنَاهُ: كُنْتُمْ عَلَى طَرَفِ حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْوُقُوعِ فِيهَا إِلَّا أَنْ تَمُوتُوا عَلَى كُفْرِكُمْ، {فَأَنْقَذَكُمُ} اللَّهُ {مِنْهَا} بِالْإِيمَانِ، {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) }

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} أَيْ: كُونُوا أُمَّةً، {مِنْ} صِلَةٌ لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: " فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ "


(١) ساقط من (أ) .
(٢) ساقط من (أ) .
(٣) في أ: (لأستغلبنه) .
(٤) أخرج هذه القصة ابن إسحاق في المغازي ١ / ٢٦٥ - ٢٦٦ من سيرة ابن هشام مع الروض الأنف وعنه أخرجها الطبري في التفسير: ٧ / ٧٨ - ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>