للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أخبرنا زهير ٣١/أبْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى، قَالَ: فَكِلَاهُمَا قَالَ لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ" (١) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} أَيْ وَاذْكُرُوهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّعْظِيمِ كَمَا ذَكَرَكُمْ بِالْهِدَايَةِ فَهَدَاكُمْ لِدِينِهِ وَمَنَاسِكِ حَجِّهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} أَيْ وَقَدْ كُنْتُمْ، وَقِيلَ: وَمَا كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ إِلَّا مِنَ الضَّالِّينَ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ" (١٨٦-الشُّعَرَاءِ) أَيْ: وَمَا نَظُنُّكَ إِلَّا مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ "مِنْ قَبْلِهِ" رَاجِعَةٌ إِلَى الْهُدَى، وَقِيلَ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ.

{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢٠١) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٢٠٢) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ، كَانَتْ قُرَيْشٌ وَحُلَفَاؤُهَا وَمَنْ دَانَ بِدِينِهَا، وَهُمُ الْحُمْسُ، يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ، وَقُطَّانُ حَرَمِهِ، فَلَا نُخَلِّفُ الْحَرَمَ وَلَا نَخْرُجُ مِنْهُ، وَيَتَعَظَّمُونَ أَنْ يَقِفُوا مَعَ سَائِرِ الْعَرَبِ بِعَرَفَاتٍ، وَسَائِرُ النَّاسِ كَانُوا يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَإِذَا أَفَاضَ النَّاسُ مَنْ عَرَفَاتٍ أَفَاضَ الْحُمْسُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَاتٍ وَيُفِيضُوا مِنْهَا إِلَى جَمْعٍ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ سُنَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ خَاطَبَ بِهِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} مِنْ جَمْعٍ أَيْ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى، وَقَالُوا لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ، فَكَيْفَ يُسَوِّغُ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ؟ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ.

وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ.

وَقِيلَ: ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَيْ وَأَفِيضُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا" (١٧-الْبَلَدِ) وَأَمَّا النَّاسُ فَهُمُ الْعَرَبُ كُلُّهُمْ غَيْرُ الْحُمْسِ.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَرَبِيعَةُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: النَّاسُ هَاهُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى "أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ" (٥٤-النِّسَاءِ) وَأَرَادَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ وَيُقَالُ هَذَا الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ وَيَكُونُ


(١) رواه البخاري: في الحج باب النزول بين عرفة وجمع ٣ / ٥١٩. ومسلم في الحج باب استحباب إذا دفع الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة برقم (١٢٨١) ٢ / ٣٩١ واللفظ له. والمصنف في شرح السنة ٧ / ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>