للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْخَمِيسِ مِائَةً ثُمَّ رَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: "جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (١) .

وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الثَّيِّبَ لَا يُجْلَدُ مَعَ الرَّجْمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: التَّغْرِيبُ أَيْضًا مَنْسُوخٌ فِي حَقِّ الْبِكْرِ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ، رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَرَبَ وَغَرَّبَ (٢) .

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي الْبَيْتِ كَانَ حَدًّا فَنُسِخَ أَمْ كَانَ حَبْسًا لِيَظْهَرَ الْحَدُّ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (١٦) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} يَعْنِي: الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْفَاحِشَةِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ "اللَّذَانِ، وَاللَّذَيْنِ، وَهَاتَانِ، وَهَذَانَ" مُشَدِّدَةُ النُّونِ لِلتَّأْكِيدِ، وَوَافَقَهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فِي {فَذَانِكَ} وَالْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: خَصَّ أَبُو عَمْرٍو {فَذَانِكَ} بِالتَّشْدِيدِ لِقِلَّةِ الْحُرُوفِ فِي الِاسْمِ {فَآذُوهُمَا} قَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: فَعَيِّرُوهُمَا بِاللِّسَانِ: أَمَا خِفْتَ اللَّهَ؟ أَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنَ اللَّهِ حَيْثُ زَنَيْتَ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سُبُّوهُمَا وَاشْتُمُوهُمَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ يُؤْذَى بِالتَّعْيِيرِ وَضَرْبِ النِّعَالِ.

فَإِنْ قِيلَ: ذُكِرَ الْحَبْسُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْإِيذَاءُ، فَكَيْفَ وَجْهُ الْجَمْعِ؟. قِيلَ: الْآيَةُ الْأُولَى فِي النِّسَاءِ وَهَذِهِ فِي الرِّجَالِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: الْآيَةُ الْأُولَى فِي الثَّيِّبِ وَهَذِهِ فِي الْبِكْرِ.

{فَإِنْ تَابَا} مِنَ الْفَاحِشَةِ {وَأَصْلَحَا} الْعَمَلَ فِيمَا بَعْدُ، {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} فَلَا تُؤْذُوهُمَا، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا}

وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ، فَنُسِخَتْ بِالْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، فَالْجَلْدُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ" (النُّورِ -٢) وَالرَّجْمُ فِي السُّنَّةِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ


(١) أخرجه البخاري في الحدود، باب رجم المحصن: ١٢ / ١١٧.
(٢) أخرجه الترمذي في الحدود، باب ما جاء في النفي: ٤ / ٧١١ - ٧١٢ وقال: حديث غريب، وأخرجه الحاكم: ٤ / ٣٦٩ وصححه على شرط الشيخين، والبيهقي في السنن: ٨ / ٢٢٣، وصححه الألباني في الارواء: ٨ / ١١، وانظر: نصب الراية: ٣ / ٣٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>