السَّلَامُ يَوْمَ الظُّلَّةِ كَلَمُنْ، فَلَمَّا هَلَكَ قَالَتِ ابْنَتُهُ تَبْكِيهِ: كَلَمُنْ قَدْ هَدَّ رُكْنِي ... هُلْكُهُ وَسْطَ الْمَحِلَّهْ
سَيِّدُ الْقَوْمِ أَتَاهُ ... الْحَتْفُ نَارًا تَحْتَ ظِلِّهْ
جُعِلَتْ نَارًا عَلَيْهِمْ ... دَارُهُمْ كَالْمُضْمَحِلَّهْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أَيْ: لَمْ يُقِيمُوا وَلَمْ يَنْزِلُوا فِيهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: غَنِيتُ بِالْمَكَانِ إِذَا قُمْتُ بِهِ، وَالْمَغَانِي الْمَنَازِلُ وَاحِدُهَا مَغْنَى، وَقِيلَ: كَأَنَّ لَمْ يَتَنَعَّمُوا فِيهَا. {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} لَا الْمُؤْمِنِينَ كَمَا زَعَمُوا.
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (٩٣) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٩٥) }
{فَتَوَلَّى} أَعْرَضَ {عَنْهُمْ} شُعَيْبٌ شَاخِصًا مِنْ بَيْنِ أَظْهَرِهِمْ حِينَ أَتَاهُمُ الْعَذَابُ، {وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى} أَحْزَنُ {عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} وَالْأَسَى: الْحُزْنُ، وَالْأَسَى: الصَّبْرُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ} فِيهِ إِضْمَارٌ، يَعْنِي: فَكَذَّبُوهُ، {إِلَّا أَخَذْنَا} عَاقَبْنَا {أَهْلَهَا} حِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا، {بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْبَأْسَاءُ: الْفَقْرُ، وَالضَّرَّاءُ: الْمَرَضُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْبَأْسَاءُ فِي الْمَالِ، وَالضَّرَّاءُ فِي النَّفْسِ، وَقِيلَ: الْبَأْسَاءُ الْبُؤْسُ وَضِيقُ الْعَيْشِ، وَالضَّرَّاءُ وَالضُّرُّ سُوءُ الْحَالِ. وَقِيلَ: الْبَأْسَاءُ فِي الْحَرْبِ وَالضَّرَّاءُ: الْجَدْبُ، {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} لِكَيْ يَتَضَرَّعُوا فَيَتُوبُوا.
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} يَعْنِي: مَكَانَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ الْحَسَنَةَ، يَعْنِي: النِّعْمَةَ وَالسَّعَةَ وَالْخِصْبَ وَالصِّحَّةَ، {حَتَّى عَفَوْا} أَيْ: كَثُرُوا وَازْدَادُوا، وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ، [يُقَالُ: عَفَا الشَّعْرُ إِذَا كَثُرَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: كَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ] (١) {وَقَالُوا} مَنْ غِرَّتِهِمْ وَغَفْلَتِهِمْ بَعْدَ مَا صَارُوا إِلَى
(١) ما بين القوسين ساقط من "ب".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute