شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِي الْكَلَالَةِ، حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي قَالَ: "يَا عُمَرُ أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ" وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ أَقْضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ (١) .
وَقَوْلُهُ أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ؟ أَرَادَ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ الَّتِي فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ، وَهِيَ الَّتِي فِي آخِرِهَا، وَفِيهَا مِنَ الْبَيَانِ مَا لَيْسَ فِي آيَةِ الشِّتَاءِ، فَلِذَلِكَ أَحَالَهُ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} أَرَادَ بِهِ الْأَخَ وَالْأُخْتَ مِنَ الْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ، قَرَأَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ "وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ" وَلَمْ يَقُلْ لَهُمَا مَعَ ذِكْرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ قَبْلُ، عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ إِذَا ذَكَرَتِ اسْمَيْنِ ثُمَّ أَخْبَرَتْ عَنْهُمَا، وَكَانَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ رُبَّمَا أَضَافَتْ إِلَى أَحَدِهِمَا، وَرُبَّمَا أَضَافَتْ إِلَيْهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لِكَبِيرَةٌ" (الْبَقَرَةِ -١٥٣) ، {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} فِيهِ إِجْمَاعٌ أَنَّ أَوْلَادَ الْأُمِّ إِذَا كَانُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا يَشْتَرِكُونَ فِي الثُّلُثِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ فِي شَأْنِ الْفَرَائِضِ أَنْزَلَهَا فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ. وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَةَ النِّسَاءِ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَةَ الْأَنْفَالِ أَنْزَلَهَا فِي أُولِي الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} أَيْ: غَيْرَ مُدْخَلٍ الضَّرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ بِمُجَاوَزَتِهِ الثُّلُثَ فِي الْوَصِيَّةِ، قَالَ الْحَسَنُ هُوَ أَنْ يُوصِيَ بِدَيْنٍ لَيْسَ عَلَيْهِ، {وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} قَالَ قَتَادَةُ: كَرِهَ اللَّهُ الضِّرَارَ فِي الْحَيَاةِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ، وَنَهَى عَنْهُ وَقَدَّمَ فِيهِ.
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤) }
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} يَعْنِي: مَا ذَكَرَ مِنَ الْفُرُوضِ الْمَحْدُودَةِ، {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} ٨٠/ب قَرَأَ أَهْلُ
(١) أخرجه مسلم في الفرائض، باب ميراث الكلالة برقم (١٦١٧) : ٣ / ١٢٣٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute