إِلَّا جَارِيَةً مُقْعَدَةً يُقَالُ لَهَا ذَرِيعَةُ بِنْتُ سَالِفٍ، وَكَانَتْ كَافِرَةً شَدِيدَةَ الْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةِ لِصَالِحٍ، فَأَطْلَقَ اللَّهُ رِجْلَيْهَا بَعْدَمَا عَايَنَتِ الْعَذَابَ، فَخَرَجَتْ كَأَسْرَعِ مَا يُرَى شَيْءٌ قَطُّ حَتَّى أَتَتْ قزح، وهو واد الْقُرَى، فَأَخْبَرَتْهُمْ بِمَا عَايَنَتْهُ مِنَ الْعَذَابِ وَمَا أَصَابَ ثَمُودَ، ثُمَّ اسْتَقَتْ مِنَ الْمَاءِ فَسُقِيَتْ فَلَمَّا شَرِبَتْ مَاتَتْ.
وَذَكَرَ السُّدِّيُّ فِي عَقْرِ النَّاقَةِ وَجْهًا آخَرَ قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ قَوْمَكَ سَيَعْقِرُونَ نَاقَتَكَ، فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ فَقَالُوا: مَا كُنَّا نَفْعَلُ، فَقَالَ صَالِحٌ: إِنَّهُ يُولَدُ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا غُلَامٌ يَعْقِرُهَا فَيَكُونُ هَلَاكُكُمْ عَلَى يَدَيْهِ، فَقَالُوا: لَا يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ إِلَّا قَتَلْنَاهُ، قَالَ: فَوُلِدَ لِتِسْعَةٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ فَذَبَحُوا أَبْنَاءَهُمْ ثُمَّ وُلِدَ لِلْعَاشِرِ فَأَبَى أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ، وَكَانَ لَمْ يُولَدْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ ابْنُهُ أَزْرَقَ أَحْمَرَ فَنَبَتَ نَبَاتًا سَرِيعًا وَكَانَ إِذَا مَرَّ بِالتِّسْعَةِ وَرَأَوْهُ قَالُوا: لَوْ كَانَ أَبْنَاؤُنَا أَحْيَاءً لَكَانُوا مِثْلَ هَذَا، فَغَضِبَ التِّسْعَةُ عَلَى صَالِحٍ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبَ قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ، فَتَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهَّلَهُ، قَالُوا: نَخْرُجُ لِيَرَى النَّاسُ أَنَّا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَرٍ فَنَأْتِي الْغَارَ فَنَكُونُ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَخَرَجَ صَالِحٌ إِلَى مَسْجِدِهِ أَتَيْنَاهُ فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى الْغَارِ فَكُنَّا فِيهِ فَانْصَرَفْنَا إِلَى رَحْلِنَا فَقُلْنَا: مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، فَيُصَدِّقُونَنَا، يَظُنُّونَ أَنَا قَدْ خَرَجْنَا إِلَى سَفَرٍ. وَكَانَ صَالِحٌ لَا يَنَامُ مَعَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ، وَكَانَ يَبِيتُ فِي مَسْجِدٍ يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ صَالِحٍ، فَإِذَا أَصْبَحَ أَتَاهُمْ فَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ وَإِذَا أَمْسَى خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَاتَ فِيهِ فَانْطَلَقُوا فَدَخَلُوا الْغَارَ، فَسَقَطَ عَلَيْهِمُ الْغَارُ فَقَتَلَهُمْ، فَانْطَلَقَ رِجَالٌ مِمَّنْ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَإِذَا هُمْ رَضْخٌ، فَرَجَعُوا يَصِيحُونَ فِي الْقَرْيَةِ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ مَا رَضِيَ صَالِحٌ أَنْ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ حَتَّى قَتَلَهُمْ، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ عَلَى عَقْرِ النَّاقَةِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ تَقَاسُمُ التِّسْعَةِ عَلَى تَبْيِيتِ صَالِحٍ بَعْدَ عَقْرِهِمُ النَّاقَةَ كَمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: فَلَمَّا وُلِدَ ابْنُ الْعَاشِرِ، يَعْنِي: قَذَارَ، شَبَّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي الْجُمُعَةِ، وَشَبَّ فِي شَهْرٍ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي السَّنَةِ، فَلَمَّا كَبِرَ جَلَسَ مَعَ أُنَاسٍ يُصِيبُونَ مِنَ الشَّرَابِ، فَأَرَادُوا مَاءً يَمْزِجُونَ بِهِ شَرَابَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمَ شِرْبُ النَّاقَةِ، فَوَجَدُوا الْمَاءَ قَدْ شَرِبَتْهُ النَّاقَةُ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: مَا نَصْنَعُ نَحْنُ بِاللَّبَنِ؟ لَوْ كُنَّا نَأْخُذُ هَذَا الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُهُ هَذِهِ النَّاقَةُ فَنَسْقِيهِ أَنْعَامَنَا وَحُرُوثَنَا كَانَ خَيْرًا لَنَا، فَقَالَ ابْنُ الْعَاشِرِ: هَلْ لَكُمْ فِي أَنْ أَعْقِرَهَا لَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَعَقَرُوهَا.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ أَبُو زَكَرِيَّا ثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute