للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَرَفَةَ - (١) وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ بِدَهْنَاءَ مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ (٢) وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هَبَطَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَخْرَجَ اللَّهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْجَنَّةِ فَلَمْ يَهْبِطْ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ. وَرُوِيَ: أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَهُمْ جَمِيعًا وَصَوَّرَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ عُقُولًا يَعْلَمُونَ بِهَا وَأَلْسُنًا يَنْطِقُونَ بِهَا ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا -يَعْنِي عِيَانًا -وَقَالَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِأَمْثَالِ الذَّرِّ فَهْمًا تَعْقِلُ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: "قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ" [النَّمْلُ-١٨] .

وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لهم جميعا: اعملوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي وَأَنَا رَبُّكُمْ لَا رَبَّ لَكُمْ غَيْرِي فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، فَإِنِّي سَأَنْتَقِمُ مِمَّنْ أَشْرَكَ بِي وَلَمْ يُؤْمِنْ بِي، وَإِنِّي مُرْسِلٌ إِلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَمُنَزِّلٌ عَلَيْكُمْ كُتُبًا، فَتَكَلَّمُوا جَمِيعًا، وَقَالُوا: شَهِدْنَا أَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَا رَبَّ لَنَا غَيْرَكَ، فَأَخَذَ بِذَلِكَ مَوَاثِيقَهُمْ، ثُمَّ كَتَبَ آجَالَهُمْ وَأَرْزَقَاهُمْ وَمَصَائِبَهُمْ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ آدَمُ فَرَأَى مِنْهُمُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَحَسَنَ الصُّورَةِ وَدُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَبِّ لَوْلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ، فَلَمَّا قَرَّرَهُمْ بِتَوْحِيدِهِ وَأَشْهَدَ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَعَادَهُمْ إِلَى صُلْبِهِ فَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُولَدَ كُلُّ مَنْ أَخَذَ مِيثَاقَهُ (٣) فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ" أَيْ: مِنْ ظُهُورِ بَنِي آدَمَ ذُرِّيَّتَهُمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ: "ذُرِّيَّاتِهِمْ" بِالْجَمْعِ وَكَسْرِ التَّاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ "ذُرِّيَّتَهُمْ" عَلَى التَّوْحِيدِ، وَنَصْبِ التَّاءِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ" وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ؟ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ بعضهم من ذرية آدم بَعْضَهُمْ مِنْ ظُهُورِ بَعْضٍ عَلَى نَحْوِ مَا يَتَوَالَدُ الْأَبْنَاءُ مِنَ الْآبَاءِ فِي التَّرْتِيبِ، فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ ظَهْرِ آدَمَ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ بَنُوُهُ وَأُخْرِجُوا مِنْ ظَهْرِهِ (٤)


(١) انظر: تفسير الطبري: ١٢ / ٢٢٢، المستدرك للحاكم: ١ / ٢٧، مجمع الزوائد للهيثمي: ٧ / ٢٥،١٨٨-١٨٩. وساقه الحافظ ابن كثير من رواية الإمام أحمد والنسائي في التفسير مرفوعا وذكر الروايات عن ابن عباس موقوفا وقال: هذا أكثر وأثبت. والله أعلم. التفسير: ٢ / ٢٦٣.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ١٣ / ٢٢٥ مع تعليق الشيخ شاكر.
(٣) انظر: الطبري: ٣ / ٢٣٨-٢٣٩، المسند: ٥ / ١٢٥، المستدرك ٢ / ٣٢٣، مجمع الزوائد ٧ / ٢٥.
(٤) قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله بعد أن ساق روايات أخذ الذرية والإشهاد: "قد أكثر الناس من تخريج الآثار في هذا الباب، وأكثر المتكلمون من الكلام فيه. وأهل السنة مجتمعون على الإيمان بهذه الآثار واعتقادها وترك المجادلة فيها. وبالله العصمة والتوفيق". التمهيد: ١٦ / ١٢.
وساق الحافظ ابن كثير الروايات في التفسير: ٢ / ٢٦٢-٢٦٥ ثم قال: " ... فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميَّز ين أهل الجنة وأهل النار. وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو، وقد بينا أنهما موقوفان، لا مرفوعان - ... - ومن ثم قال القائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد كما في حديث أبي هريرة وعياض بن عمار المجاشعي، ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع. وقد فسر الحسن البصري الآية بذلك ... ".
وانظر: تفسير الفخر الرازي: ١٥ / ٥٠-٥٦، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني: ٤ / ١٥٨-١٦٣، درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية: ٨ / ٣٥٩، وما بعدها، تفسير القرطبي: ٧ / ٣١٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>