للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعَّبٍ الْقُرَظِيُّ: رَفَعَ يُوسُفُ رَأْسَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ حِينَ هَمَّ بِهَا فَرَأَى كِتَابًا فِي حَائِطِ الْبَيْتِ: "لا تقربوا الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا".

وَرَوَى عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ رَأَى مِثَالَ الْمَلِكِ (١) .

وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْبُرْهَانُ النُّبُوَّةُ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي صَدْرِهِ حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُسْخِطُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ (٢) .

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ فِي الْبَيْتِ صَنَمٌ فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ وَسَتَرَتْهُ بِثَوْبٍ، فَقَالَ لَهَا يُوسُفُ:لِمَ فَعَلْتِ هَذَا؟.

فَقَالَتِ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ أَنْ يَرَانِي عَلَى الْمَعْصِيَةِ.

فَقَالَ يُوسُفُ: أَتَسْتَحِينَ مِمَّا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَفْقَهُ؟ فَأَنَا أَحَقُّ أَنْ أَسْتَحِيَ مِنْ رَبِّي، وَهَرَبَ (٣) .


(١) انظر تخريج هذه الروايات في: الدر المنثور: ٤ / ٥٢١-٥٢٤.
(٢) وقريب من هذا القول قول من قال: إن البرهان أنه علم ما أحلَّ الله مما حرم الله، فرأى تحريم الزنى، روي عن محمد بن كعب القرظي. قال ابن قتيبة: رأى حجة الله عليه وهي البرهان. قال ابن الجوزي: في "زاد المسير": (٤ / ٢٠٩) : "وهذا هو القول الصحيح وما تقدَّمه فليس بشيء، وإنما هي أحاديث من أعمال القصاص، وقد أشرت إلى فسادها في كتاب "المغني في التفسير". وكيف يُظَنُّ بنبي لله كريم أنه يخوّف ويرعّب ويضطر إلى ترك هذه المعصية وهو مُصِرٌّ؟! وهذا غاية القبح.
(٣) قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره: (١٦ / ٤٩) بعد أن ساق تلك الروايات المختلفة المضطربة: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه، لولا أن رأى يوسف برهان ربه، وذلك آية من آيات الله زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة = وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب، وجائز أن تكون صورة الملك، وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنى = ولا حجة للعذر قاطعة بأيّ ذلك كان من أيّ. والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى، والإيمان به، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه". وقال الشيخ الشنقيطي في "أضواء البيان": (٣ / ٦٨) : "وهذه الأقوال التي رأيت نسبتها إلى هؤلاء العلماء منقسمة إلى قسمين: قسم لم يثبت نقله عمن نقل عنه بسند صحيح، وهذا لا إشكال في سقوطه. وقسم ثبت عن بعض من ذكر. ومن ثبت عنه منهم شيء من ذلك، فالظاهر الغالب على الظن، المزاحم لليقين: أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات؛ لأنه لا مجال للرأي فيه، ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وبهذا تعلم أنه لا ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف بأنه جلس بين رجلي امرأة كافرة أجنبية، يريد أن يزني بها، اعتمادا على مثل هذه الروايات مع أن في الروايات المذكورة ما تلوح عليه لوائح الكذب، كقصة الكف التي خرجت له أربع مرات، وفي ثلاث منهن لا يبالي بها، لأن ذلك -على فرض صحته- فيه أكبر زاجر لعوام الفساق، فما ظنك بخيار الأنبياء! مع أننا قدمنا دلالة القرآن على براءته من جهات متعددة، وأوضحنا أن الحقيقة لا تتعدى أحد أمرين: إما أن يكون لم يقع منه هم بها أصلا، بناء على تعليق همه على عدم رؤية البرهان، وقد رأى البرهان. وإما أن يكون همه الميل الطبيعي المزموم بالتقوى. والعلم عند الله تعالى".

<<  <  ج: ص:  >  >>