للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ {عَلِيمٌ} بِنِيَّاتِهِمْ حَيْثُمَا صَلَّوْا وَدَعَوْا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْوَاوِ [وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا] (١) نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ حَيْثُ قَالُوا: "عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ" وَفِي نَصَارَى نَجْرَانَ حَيْثُ قَالُوا: "الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ" وَفِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ (٢) {سُبْحَانَهُ} نَزَّهَ وَعَظَّمَ نَفْسَهُ.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَسَنٍ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا" (٣) .

قَوْلُهُ تَعَالَى {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} عَبِيدًا وَمُلْكًا {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ: مُطِيعُونَ وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: مُقِرُّونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: قَائِمُونَ بِالشَّهَادَةِ، وَأَصْلُ الْقُنُوتِ الْقِيَامُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ" (٤) ، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ خَاصٌّ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَهْلِ طَاعَتِهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْخَلْقِ لِأَنَّ "كُلَّ" تَقْتَضِي الْإِحَاطَةَ بِالشَّيْءِ بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ مِنْهُ شَيْءٌ (٥) ، ثُمَّ سَلَكُوا فِي الْكُفَّارِ طَرِيقَيْنِ: فَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَسْجُدُ ظِلَالُهُمْ لِلَّهِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ" (١٥-الرَّعْدِ) وَقَالَ السُّدِّيُّ: هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ دَلِيلُهُ ["وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ" (١١١-طه) وَقِيلَ {قَانِتُونَ} مُذَلَّلُونَ مُسَخَّرُونَ لِمَا خُلِقُوا لَهُ] (٦) .


(١) ساقط من أ.
(٢) انظر: الوسيط للواحدي ١ / ١٧٨، ١٧٩.
(٣) أخرجه البخاري، في التفسير - باب: وقالوا: اتخذ الله ولدا - ٨ / ١٦٨ وفي بدء الخلق. والمصنف في شرح السنة: ١ / ٨١ من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة، بنحوه، وانظر: ابن كثير: ١ / ٢٨٢.
(٤) أخرجه مسلم: في صلاة المسافرين - باب: أفضل الصلاة طول القنوت: برقم (٧٥٦،٧٥٧) ١ / ٥٢٠.
(٥) قال الإمام الطبري في التفسير: "وقد زعم بعض من قصرت معرفته عن توجيه الكلام وجهته، أن قوله: "كل له قانتون"، خاصة لأهل الطاعة، وليست بعامة، وغير جائز ادعاء خصوص في آية عام ظاهرها، إلا بحجة يجب التسليم لها، لما قد بينا في كتابنا "كتاب البيان عن أصول الأحكام". وهذا خبر من الله جل وعز عن أن المسيح - الذي زعمت النصارى أنه ابن الله - مكذبهم هو والسماوات والأرض وما فيها، إما باللسان، وإما بالدلالة، وذلك أن الله، جل ثناؤه، أخبر عن جميعهم، بطاعتهم إياه، وإقرارهم له بالعبودية، عقب قوله: "وقالوا اتخذ الله ولدا"، فدل ذلك على صحة ما قلنا"، تفسير الطبري: ٢ / ٥٣٩-٥٤٠.
(٦) زيادة من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>