للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِامْرَأَتِهِ أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ ذَهَبَ يَتَصَيَّدُ وَهُوَ يَجِيءُ الْآنَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَانْزِلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ ضِيَافَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَجَاءَتْ بِاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ، وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ؟ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، فَدَعَا لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ وَلَوْ جَاءَتْ يَوْمَئِذٍ بِخُبْزِ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ وَتَمْرٍ لَكَانَتْ أَكْثَرَ أَرْضِ اللَّهِ بُرًّا أَوْ شَعِيرًا أَوْ تَمْرًا، فَقَالَتْ لَهُ: انْزِلْ حَتَّى أَغْسِلَ رَأْسَكَ، فَلَمْ يَنْزِلْ فَجَاءَتْهُ بِالْمَقَامِ فَوَضَعَتْهُ عَنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَوَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيْهِ فَغَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ ثُمَّ حَوَّلَتْ إِلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَغَسَلَتْ شَقَّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ فَبَقِيَ أَثَرُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَأَقْرِئِيهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ قَدِ اسْتَقَامَتْ عَتَبَةُ بَابِكَ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ، وَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ جَاءَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ شَيْخٌ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا وَأَطْيَبُهُمْ رِيحًا، وَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا وَقُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، وَغَسَلْتُ رَأْسَهُ وَهَذَا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ فَقَالَ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ أَبِي، وَأَنْتَ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ (١) .

وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بن جبير ١٨/ب عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: ثم لبثت عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا تَحْتَ دَوْمَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ، وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي بِأَمْرٍ تُعِينُنِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: أُعِينُكَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَاهُنَا بَيْتًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ، فَقَامَ إبراهيم على الحجر الْمَقَامِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وَفِي الْخَبَرِ: "الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَوَاقِيتِ الجنة ولولا مامسته أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ لَأَضَاءَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ" (٢) .

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} أَيْ أَمَرْنَاهُمَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمَا، قِيلَ: سُمِّيَ إِسْمَاعِيلُ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ وَلَدًا وَيَقُولَ: اسْمَعْ يَا إِيلُ وَإِيلُ هُوَ اللَّهُ فَلَمَّا رُزِقَ سَمَّاهُ اللَّهُ بِهِ {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} يَعْنِي الْكَعْبَةَ أَضَافَهُ إِلَيْهِ تَخْصِيصًا وَتَفْضِيلًا أَيِ ابْنِيَاهُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالتَّوْحِيدِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: طَهِّرَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالرِّيَبِ وَقَوْلِ الزُّورِ، وَقِيلَ: بَخِّرَاهُ وَخَلِّقَاهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَحَفْصٌ {بَيْتِيَ} بِفَتْحِ الْيَاءِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ، وَزَادَ حَفْصٌ فِي سُورَةِ نُوحٍ {لِلطَّائِفِينَ} الدَّائِرِينَ حَوْلَهُ {وَالْعَاكِفِينَ} الْمُقِيمِينَ الْمُجَاوِرِينَ {وَالرُّكَّعِ} جَمْعُ رَاكِعٍ {السُّجُودِ} جَمْعُ سَاجِدٍ وَهُمُ الْمُصَلُّونَ قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ:


(١) أخرجه البخاري: مطولا في الأنبياء - باب: يزفون: النسلان في المشي: ٦ / ٣٩٦ وفي مواضع أخرى.
(٢) أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمرو بلفظ "إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورههما لأضاءتا ... " ٣ / ٦١٨ وقال هو حديث غريب. ورواه الحاكم في الحج عن داود الزبرقان عن أيوب السختياني عن قتادة بن دعامة عن أنس وقال: صحيح فرده الذهبي بأن فيه داود، قال أبو داود: متروك، (فيض القدير: ٤ / ٥٩) . ورواه أيضا عن عبد الله بن عمرو، انظر: المستدرك: ١ / ٤٥٦. وأخرجه الواحدي في الوسيط: ١ / ١٩٠، وانظر: تحفة الأحوذي: ١ / ٦١٨-٦١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>