للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَنَافَسُوا الْمُلْكَ حَتَّى قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَنَبِيُّهُمْ شِعْيَاءُ مَعَهُمْ وَلَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ لِشِعْيَاءَ قُمْ فِي قَوْمِكَ أُوحِي عَلَى لِسَانِكَ فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ شِعْيَاءُ أَنْطَقَ اللَّهُ لِسَانَهُ بِالْوَحْيِ فَقَالَ: يَا سَمَاءُ اسْمَعِي وَيَا أَرْضُ أَنْصِتِي فَإِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ يَقُصَّ شَأْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ رَبَّاهُمْ بِنِعْمَتِهِ وَاصْطَنَعَهُمْ لِنَفْسِهِ وَخَصَّهُمْ بِكَرَامَتِهِ وَفَضَّلَهُمْ عَلَى عِبَادِهِ وَهُمْ كَالْغَنَمِ الضَّائِعَةِ الَّتِي لَا رَاعِيَ لَهَا فَآوَى شَارِدَتَهَا وَجَمَعَ ضَالَّتَهَا وَجَبَرَ كَسْرَهَا وَدَاوَى مَرِيضَهَا وَأَسْمَنَ مَهْزُولَهَا وَحَفِظَ سَمِينَهَا فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ بَطَرَتْ فَتَنَاطَحَتْ كِبَاشُهَا فَقَتَلَ بَعْضُهَا بَعْضًا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا عَظْمٌ صَحِيحٌ يُجْبَرُ إِلَيْهِ آخَرُ كَسِيرٌ فَوَيْلٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ الَّذِينَ لَا يَدْرُونَ أَنَّى جَاءَهُمُ الْخَيْرُ أَنَّ الْبَعِيرَ مِمَّا يَذْكُرُ وَطَنَهُ فَيَنْتَابُهُ وَأَنَّ الْحِمَارَ مِمَّا يَذْكُرُ الْأَرْيَ الَّذِي شَبِعَ عَلَيْهِ فَيُرَاجِعُهُ وَأَنَّ الثَّوْرَ مِمَّا يَذْكُرُ الْمَرْجَ الَّذِي سَمِنَ فِيهِ فَيَنْتَابُهُ وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَا يَذْكُرُونَ مِنْ حَيْثُ جَاءَهُمُ الْخَيْرُ وَهُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ وَالْعُقُولِ لَيْسُوا بِبَقَرٍ وَلَا حَمِيرٍ وَإِنِّي ضَارِبٌ لَهُمْ مَثَلًا فَلْيَسْمَعُوهُ قُلْ لَهُمْ كَيْفَ تَرَوْنَ فِي أَرْضٍ كَانَتْ خَوَاءً زَمَانًا خَرَابًا مَوَاتًا لَا عُمْرَانَ فِيهَا وَكَانَ لَهَا رَبٌّ حَكِيمٌ قَوِيٌّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا بِالْعِمَارَةِ وَكَرِهَ أَنْ تُخَرَّبَ أَرْضُهُ وَهُوَ قَوِيٌّ أَوْ أَنْ يُقَالَ ضَيَّعَ وَهُوَ حَكِيمٌ فَأَحَاطَ عَلَيْهَا جِدَارًا وَشَيَّدَ فِيهَا قُصُورًا وَأَنْبَطَ نَهْرًا وَصَنَّفَ فِيهَا غِرَاسًا مِنَ الزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ وَالنَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ وَأَلْوَانِ الثِّمَارِ كُلِّهَا وَوَلَّى ذَلِكَ وَاسْتَحْفَظَهُ ذَا رَأْيٍ وَهِمَّةٍ حَفِيظًا قَوِيًّا أَمِينًا فَلَمَّا أَطْلَعَتْ جَاءَ طَلْعُهَا خُرُوبًا؟

قَالُوا بِئْسَتِ الْأَرْضُ هَذِهِ فَنَرَى أَنْ يُهْدَمَ جِدَارُهَا وَقَصْرُهَا وَيُدْفَنَ نَهْرُهَا وَيُقْبَضَ قِيِّمُهَا وَيُحْرَقَ غَرْسُهَا حَتَّى تَصِيرَ كَمَا كَانَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ خَرَابًا مَوَاتًا لَا عُمْرَانَ فِيهَا قال الله: قَالَ لَهُمْ: فَإِنَّ الْجِدَارَ دِينِي وَإِنَّ الْقَصْرَ شَرِيعَتِي وَإِنَّ النَّهْرَ كِتَابِي وَإِنَّ الْقَيِّمَ نَبِيِّي وَإِنَّ الْغِرَاسَ هُمْ وَإِنَّ الْخُرُوبَ الَّذِي أَطْلَعَ الْغِرَاسَ أَعْمَالُهُمُ الْخَبِيثَةُ وَإِنِّي قَدْ قَضَيْتُ عَلَيْهِمْ قَضَاءَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّهُ مَثَلٌ ضَرَبْتُهُ لَهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَيَّ بِذَبْحِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَلَيْسَ يَنَالُنِي اللَّحْمُ وَلَا آكُلُهُ وَيَدَعُونَ أَنْ يَتَقَرَّبُوا إِلَيَّ بِالتَّقْوَى وَالْكَفِّ عَنْ ذَبْحِ الْأَنْفُسِ الَّتِي حَرَّمْتُهَا فَأَيْدِيهِمْ مَخْضُوبَةٌ مِنْهَا وَثِيَابُهُمْ مُتَزَمِّلَةٌ بِدِمَائِهَا يُشَيِّدُونَ لِي الْبُيُوتَ مَسَاجِدَ وَيُطَهِّرُونَ أَجْوَافَهَا وَيُنَجِّسُونَ قُلُوبَهُمْ وَأَجْسَادَهُمْ وَيُدَنِّسُونَهَا وَيُزَوِّقُونَ إِلَيَّ الْمَسَاجِدَ وَيُزَيِّنُونَهَا وَيُخَرِّبُونَ عُقُولَهُمْ وَأَحْلَامَهُمْ وَيُفْسِدُونَهَا فَأَيُّ حَاجَةٍ لِي إِلَى تَشْيِيدِ الْبُيُوتِ وَلَسْتُ أَسْكُنُهَا؟ وَأَيُّ حَاجَةٍ لِي إِلَى تَزْوِيقِ الْمَسَاجِدِ وَلَسْتُ أَدْخُلُهَا؟ إِنَّمَا أَمَرْتُ بِرَفْعِهَا لِأُذْكَرَ وَأُسَبَّحَ فِيهَا.

يَقُولُونَ: صُمْنَا فَلَمْ يُرْفَعْ صِيَامُنَا [وَصَلَّيْنَا فَلَمْ تُنَوَّرْ صَلَاتُنَا] (١) وَتَصَدَّقْنَا فَلَمْ يُزَكِّ صَدَقَتَنَا وَدَعَوْنَا بِمِثْلِ حَنِينِ الْحَمَامِ وَبَكَيْنَا بِمِثْلِ عُوَاءِ الذِّئَابِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَا يُسْتَجَابُ لَنَا.

قَالَ اللَّهُ: فَاسْأَلْهُمْ مَا الَّذِي يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْتَجِيبَ لَهُمْ؟ أَلَسْتُ أَسْمَعَ السَّامِعِينَ وَأَبْصَرَ النَّاظِرِينَ وَأَقْرَبَ


(١) ساقط من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>