للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَلَكَ أَهْلَ تِلْكَ الْبِلَادِ رَجُلٌ صَالِحٌ يُقَالُ لَهُ: "بَيْدَرُوسُ" فَلَمَّا مَلَكَ بَقِيَ فِي مُلْكِهِ ثَمَانِيًا وَسِتِّينَ سَنَةً فَتَحَزَّبَ النَّاسُ فِي مُلْكِهِ فَكَانُوا أَحْزَابًا مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ السَّاعَةَ حَقٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَذِّبُ بِهَا فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمَلِكِ الصَّالِحِ فَبَكَى وَتَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ وَحَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا لَمَّا رَأَى أَهْلَ الْبَاطِلِ يَزِيدُونَ وَيَظْهَرُونَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ وَيَقُولُونَ لَا حَيَاةَ إِلَّا حَيَاةُ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا تُبْعَثُ الْأَرْوَاحُ وَلَا تُبْعَثُ الْأَجْسَادُ فَجَعَلَ "بيدروس" يرسل أن مَنْ يَظُنُّ فِيهِ خَيَّرَا وَأَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ فِي الْخَلْقِ فَجَعَلُوا يُكَذِّبُونَ بِالسَّاعَةِ حَتَّى كَادُوا أَنْ يُحَوِّلُوا النَّاسَ عَنِ الْحَقِّ وَمِلَّةِ الْحَوَارِيِّينَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ دَخَلَ بَيْتَهُ وَأَغْلَقَهُ عَلَيْهِ وَلَبِسَ مِسْحًا وَجَعَلَ تَحْتَهُ رَمَادًا فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَدَأَبَ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ زَمَانًا يَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَبْكِي وَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ قَدْ تَرَى اخْتِلَافَ هَؤُلَاءِ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ آيَةً تُبَيِّنُ لَهُمْ [بُطْلَانَ مَا هُمْ عَلَيْهِ] (١) ثُمَّ إِنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ الَّذِي يَكْرَهُ هَلَكَةَ الْعِبَادِ أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ الْفِتْيَةَ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ شَأْنَهُمْ وَيَجْعَلَهُمْ آيَةً وَحُجَّةً عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَيَسْتَجِيبُ لِعَبْدِهِ الصَّالِحِ بَيْدَرُوسَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَأَنْ يَجْمَعَ مَنْ كَانَ تَبَدَّدَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَلْقَى اللَّهُ فِي نَفْسِ رَجُلٍ مَنْ أَهَّلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ وَكَانَ اسْمُ ذَلِكَ الرَّجُلِ "أُولْيَانُوسَ" أَنْ يَهْدِمَ ذَلِكَ الْبُنْيَانَ الَّذِي عَلَى فَمِ الْكَهْفِ فَيَبْنِي بِهِ حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ فَاسْتَأْجَرَ غُلَامَيْنِ فَجَعَلَا (٢) يَنْزِعَانِ تِلْكَ الْحِجَارَةَ وَيَبْنِيَانِ تِلْكَ الْحَظِيرَةَ حَتَّى نَزَعَا مَا عَلَى فَمِ الْكَهْفِ وَفَتَحَا بَابَ الْكَهْفِ وَحَجَبَهُمُ اللَّهُ عَنِ النَّاسِ بِالرُّعْبِ فَلَمَّا فَتَحَا بَابَ الْكَهْفِ أَذِنَ اللَّهُ ذُو الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ مُحْيِي الْمَوْتَى لِلْفِتْيَةِ أَنْ يَجْلِسُوا بَيْنَ ظَهَرَانَيِ الْكَهْفِ فَجَلَسُوا فَرِحِينَ مُسْفِرَةً وُجُوهُهُمْ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ فَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَكَأَنَّمَا اسْتَيْقَظُوا مِنْ سَاعَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَسْتَيْقِظُونَ فِيهَا إِذَا أَصْبَحُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّوْا كَالَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ لَا يُرَى فِي جوههم وَلَا أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ يُنْكِرُونَهُ كَهَيْئَتِهِمْ حِينَ رَقَدُوا وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ دِقْيَانُوسَ فِي طَلَبِهِمْ فَلِمَا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ قَالُوا لِيَمْلِيخَا صَاحِبِ نَفَقَاتِهِمْ: أَنْبِئْنَا مَا الَّذِي قَالَ النَّاسُ فِي شَأْنِنَا عَشِيَّةَ أَمْسٍ عِنْدَ هَذَا الْجَبَّارِ؟ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ رَقَدُوا كَبَعْضِ مَا كَانُوا يرقدون وقد تخيل إِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ نَامُوا أَطْوَلَ مِمَّا كَانُوا يَنَامُونَ حَتَّى يَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ كَمْ لَبِثْتُمْ نِيَامًا؟ قَالُوا: لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ثُمَّ قَالُوا: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمْ يَسِيرٌ فَقَالَ لَهُمْ يَمْلِيخَا: الْتُمِسْتُمْ فِي الْمَدِينَةِ فَلَمْ تُوجَدُوا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُؤْتَى بِكُمُ الْيَوْمَ فَتَذْبَحُونَ لِلطَّوَاغِيتِ أَوْ يَقْتُلُكُمْ فَمَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَ فَقَالَ لَهُمْ مَكْسِلْمِينَا: يَا إِخْوَتَاهُ اعلموا أنكم ملاقوا اللَّهِ فَلَا تَكْفُرُوا بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِذَا دَعَاكُمْ عَدُوُّ اللَّهِ.

ثُمَّ قَالُوا لِيَمْلِيخَا: انْطَلِقْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَتَسَمَّعْ ما يقال عليلنا بِهَا وَمَا الَّذِي يُذْكَرُ عِنْدَ دِقْيَانُوسَ وَتَلَطَّفْ وَلَا تُشْعِرَنَّ بِكَ أَحَدًا وَابْتَعْ لَنَا طَعَامًا


(١) ساقط من "أ".
(٢) ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>