للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْهَا حَتَّى يُطَافَ بِهِمَا جَمِيعًا {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ} فَالْحَجُّ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ، وَالْعُمْرَةُ: الزِّيَارَةُ، وَفِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْمَشْرُوعَيْنِ قَصْدٌ وَزِيَارَةٌ {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ} أَيْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ جَنَحَ أَيْ مَالَ عَنِ الْقَصْدِ {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} أَيْ يَدُورَ بِهِمَا، وَأَصْلُهُ يَتَطَوَّفُ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ.

وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ صَنَمَانِ أَسَافُ وَنَائِلَةُ، وَكَانَ أَسَافُ عَلَى الصَّفَا وَنَائِلَةُ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِلصَّنَمَيْنِ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِمَا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَكُسِرَتِ الْأَصْنَامُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَحَرَّجُونَ عَنِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَجْلِ الصَّنَمَيْنِ فَأَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (١) .

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ وَوُجُوبِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سَيْرَيْنِ وَمُجَاهِدٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ دَمٌ (٢) .

وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِمَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُؤَمَّلٍ الْعَائِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي بِنْتُ أَبِي تِجْرَاةَ -اسْمُهَا حَبِيبَةُ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ -قَالَتْ: دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ


(١) أخرج البخاري عن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: "إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما" فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة؟ قالت: بئس ما قلت يا بن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: "إن الصفا والمروة من شعائر الله" الآية. قالت عائشة رضي الله عنها: وقد سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما.
(٢) انظر: تفسير القرطبي: ٢ / ١٨٣، أحكام القرآن لابن العربي: ١ / ٤٨، أحكام القرآن للجصاص: ١ / ١١٨-١٢٢. ابن كثير: ١ / ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>