للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَانُوا يَجْمَعُونَ الْحَطَبَ شَهْرًا فَلَمَّا جَمَعُوا مَا أَرَادُوا أَشْعَلُوا فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنَ الْحَطَبِ فَاشْتَعَلَتِ النَّارُ وَاشْتَدَّتْ حَتَّى أَنْ كَانَ الطَّيْرُ لَيَمُرُّ بِهَا فَيَحْتَرِقُ مِنْ شِدَّةِ وَهَجِهَا، فَأَوْقَدُوا عَلَيْهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.

رُوِيَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا كَيْفَ يُلْقُونَهُ فِيهَا فَجَاءَ إِبْلِيسُ فَعَلَّمَهُمْ عَمَلَ الْمَنْجَنِيقِ فَعَمِلُوا، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَرَفَعُوهُ عَلَى رَأْسِ الْبُنْيَانِ وَقَيَّدُوهُ ثُمَّ وَضَعُوهُ فِي الْمَنْجَنِيقِ مُقَيَّدًا مَغْلُولًا (١) فَصَاحَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَجَمِيعُ الْخَلْقِ إِلَّا الثَّقْلَيْنِ صَيْحَةً وَاحِدَةً، أَيْ رَبَّنَا إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُكَ يُلْقَى فِي النَّارِ وَلَيْسَ فِي أَرْضِكَ أَحَدٌ يَعْبُدُكَ غَيْرُهُ فَأْذَنْ لَنَا فِي نُصْرَتِهِ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ خَلِيلِي لَيْسَ لِي غَيْرُهُ، وَأَنَا إِلَهُهُ وَلَيْسَ لَهُ إِلَهٌ غَيْرِي، فَإِنِ اسْتَغَاثَ بِشَيْءٍ مِنْكُمْ أَوْ دَعَاهُ فَلْيَنْصُرْهُ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَدْعُ غَيْرِي فَأَنَا أَعْلَمُ بِهِ وَأَنَا وَلِيُّهُ فَخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَلَمَّا أَرَادُوا إِلْقَاءَهُ فِي النَّارِ أَتَاهُ خَازِنُ الْمِيَاهِ فَقَالَ: إِنْ أَرَدْتَ أَخْمَدْتُ النَّارَ (٢) وَأَتَاهُ خَازِنُ الرِّيَاحِ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ طَيَّرْتُ النَّارَ فِي الْهَوَاءِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لَا حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (٣) .

وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حِينَ أَوْثَقُوهُ لِيُلْقُوهُ فِي النَّارِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَكَ (٤) ثُمَّ رَمَوْا بِهِ فِي الْمَنْجَنِيقِ إِلَى النَّارِ، وَاسْتَقْبَلَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ لَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا (٥) قَالَ جِبْرِيلُ: فَاسْأَلْ رَبَّكَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ حَسَبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي (٦) .

قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: جَعَلَ كُلُّ شَيْءٍ يُطْفِئُ عَنْهُ النَّارَ إِلَّا الْوَزَغَ فَإِنَّهُ كَانَ يَنْفُخُ فِي النَّارِ (٧) .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَابْنُ سَلَامٍ عَنْهُ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ، وَقَالَ: كَانَ


(١) انظر البحر المحيط: ٦ / ٣٢٨.
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور: ٥ / ٦٤٠ للإمام أحمد في الزهد ولعبد بن حميد.
(٣) انظر البحر المحيط: ٦ / ٣٢٨ وقد عزاه لابن عباس، والدر المنثور: ٥ / ٦٤١، وعند البخاري: ٨ / ٢٢٩ بلفظ: (كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل) .
(٤) أخرجه الطبري: ١٧ / ٤٥.
(٥) أخرجه الطبري: ١٧ / ٤٥، وانظر: تفسير ابن كثير: ٣ / ١٨٥.
(٦) ذكره ابن عراق في: "تنزيه الشريعة" ١ / ٢٥٠ بلفظ: (علمه بحالي يغني عن سؤالي) حكاية عن الخليل عليه السلام، وقال: قال ابن تيمية: موضوع.
(٧) انظر القرطبي: ١١ / ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>