للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُمْ غُيَّبٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ رُخْصَةً لَهُمْ (١) قَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ رُخْصَةً لِهَؤُلَاءِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ. قَالَ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: "وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ"، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} كَلَامٌ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ (٢)

وَقِيلَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: "لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" (النِّسَاءِ-٢٩) ، قَالُوا: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنَّا أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} (٣) أَيْ: لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ. قِيلَ: أَرَادَ مِنْ أَمْوَالِ عِيَالِكُمْ وَأَزْوَاجِكُمُ وَبَيْتُ الْمَرْأَةِ كَبَيْتِ الزَّوْجِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَرَادَ مِنْ بُيُوتِ أَوْلَادِكُمْ، نَسَبُ بُيُوتِ الْأَوْلَادِ إِلَى الْآبَاءِ (٤) كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ" (٥) ، {أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَنَيَ بِذَلِكَ وَكِيلَ الرَّجُلِ وَقَيِّمَهُ فِي ضَيْعَتِهِ وَمَاشِيَتِهِ، لَا بَأْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِ ضَيْعَتِهِ، وَيَشْرَبَ مِنْ لَبَنِ مَاشِيَتِهِ، وَلَا يَحْمِلُ وَلَا يَدَّخِرُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي فِي بُيُوتِ عَبِيدِكُمْ وَمَمَالِيكِكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ مَنْزِلَ عَبْدِهِ وَالْمَفَاتِيحُ الْخَزَائِنُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ" (الْأَنْعَامِ-٥٩) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَفْتَحُ بِهِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: إِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ


(١) أخرجه الواحدي في أسباب النزول ص (٣٨١-٣٨٢) وعزاه السيوطي لعبد بن حميد. وأخرجه البزار وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن النجار عن عائشة أيضا، وقال الهيثمي: "رجال البزار رجال الصحيح". انظر: الدر المنثور: ٦ / ٢٢٤، مجمع الزوائد: ٧ / ٨٣.
(٢) انظر: الطبري ١٨ / ١٦٩، ولم يعزه للحسن، وإنما عزاه لابن زيد، وذكره ابن الجوزي في زاد المسير: ٦ / ٦٤ عن الحسن وابن زيد.
(٣) عزاه السيوطي لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس. انظر: الدر المنثور: ٦ / ٢٢٤.
(٤) قال ابن قتيبة في "مشكل القرآن" ص (٣٣٣-٣٣٤) : في الكلام على الآية الكريمة: "أراد: ولا على أنفسكم أن تأكوا من أموال عيالكم وأزواجكم".
وقال بعضهم: أراد أن تأكلوا من بيوت أولادكم، فنسب بيوت الأولاد إلى الآباء؛ لأن الأولاد كسبهم، وأموالهم كأموالهم. يدلك على هذا: أن الناس لا يتوقون أن يأكلوا من بيوتهم، وأن الله سبحانه عدد القربات وهم أبعد نسبا من الولد، ولم يذكر الولد".
(٥) أخرجه ابن ماجه عن جابر، في التجارات، باب ما للرجل من مال ولده، برقم (٢٢٩١) : ٢ / ٧٦٩، قال في الزوائد: "وإسناده صحيح، ورجاله ثقات على شرط البخاري"، والطبراني في الأوسط: ١ / ١٤١، والطحاوي في مشكل الآثار: ٢ / ٢٣٠. ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مطولا رواه الإمام أحمد: ٢ / ٢٠٤، وأبو داود في البيوع، وابن ماجه في التجارات وابن الجارود في المنتقى. وانظر: الفتح السماوي للمناوي: ٢ / ٨٧٥-٨٧٦ مع تعليق المحقق، إرواء الغليل: ٣ / ٣٢٣ و٣٢٥، كشف الخفاء: ١ / ٢٣٩-٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>