وَهَذَا مَمْلُوكًا، فَكَمَا فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ كَمَا شِئْنَا، كَذَلِكَ اصْطَفَيْنَا بِالرِّسَالَةِ مَنْ شِئْنَا.
{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} بِالْغِنَى وَالْمَالِ، {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} لِيَسْتَخْدِمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَيُسَخِّرُ الْأَغْنِيَاءُ بِأَمْوَالِهِمُ الْأُجَرَاءَ الْفُقَرَاءَ بِالْعَمَلِ، فَيَكُونُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ سَبَبَ الْمَعَاشِ، هَذَا بِمَالِهِ، وَهَذَا بِأَعْمَالِهِ، فَيَلْتَئِمُ قِوَامُ أَمْرِ الْعَالَمِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: يَمْلِكُ بَعْضُهُمْ بِمَالِهِمْ بَعْضًا بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْمِلْكِ. {وَرَحْمَةُ رَبِّكَ} [يَعْنِي الْجَنَّةَ] (١) ، {خَيْرٌ} لِلْمُؤْمِنِينَ، {مِمَّا يَجْمَعُونَ} مِمَّا يَجْمَعُ الْكُفَّارُ مِنَ الْأَمْوَالِ.
{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أَيْ: لَوْلَا أَنْ يَصِيرُوا كُلُّهُمْ كُفَّارًا فَيَجْتَمِعُونَ عَلَى الْكُفْرِ، {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو: "سَقْفًا" بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ عَلَى الْوَاحِدِ، وَمَعْنَاهُ الْجَمْعُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ" (النَّحْلِ-٢٦) ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ عَلَى الْجَمْعِ، وَهِيَ جَمْعُ "سَقْفٍ" مِثْلُ: رَهْنٍ وَرُهُنٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا. وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ سَقِيفٍ. وَقِيلَ: جَمْعُ سُقُوفٍ جَمْعُ الْجَمْعِ. {وَمَعَارِجَ} مَصَاعِدَ وَدَرَجًا مِنْ فِضَّةٍ، {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} يَعْلُونَ وَيَرْتَقُونَ، يُقَالُ: ظَهَرْتُ عَلَى السَّطْحِ إِذَا عَلَوْتُهُ.
{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا} مِنْ فِضَّةٍ، {وَسُرُرًا} أَيْ: وَجَعَلْنَا لَهُمْ سُرُرًا مِنْ فِضَّةٍ، {عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} .
{وَزُخْرُفًا} أَيْ وَجَعَلْنَا مَعَ ذَلِكَ لَهُمْ زُخْرُفًا وَهُوَ الذَّهَبُ، نَظِيرُهُ: "أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ" (الْإِسْرَاءِ-٩٣) ، {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قَرَأَ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ: "لَمَّا" بِالتَّشْدِيدِ عَلَى مَعْنَى: وَمَا كُلُّ ذَلِكَ إِلَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَكَانَ: "لَمَّا" بِمَعْنَى إِلَّا وَخَفَّفَهُ الْآخَرُونَ عَلَى مَعْنَى: وَكُلُّ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ: "إن" للابتداء، و"ما" صِلَةٌ، يُرِيدُ: إِنَّ هَذَا كُلَّهُ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا يَزُولُ وَيَذْهَبُ، {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} خَاصَّةً يَعْنِي الْجَنَّةَ.
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ
(١) ما بين القوسين زيادة من "ب".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute