للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أَيْ أَشْرَفْنَ عَلَى أَنْ يَبِنَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ إِذَا انْقَضَتْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ إِمْسَاكُهَا، فَالْبُلُوغُ هَاهُنَا بُلُوغُ مُقَارَبَةٍ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} حَقِيقَةُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْبُلُوغُ يَتَنَاوَلُ الْمَعْنَيَيْنِ، يُقَالُ: بَلَغَ الْمَدِينَةَ إِذَا قَرُبَ مِنْهَا وَإِذَا دَخَلَهَا {فَأَمْسِكُوهُنَّ} أَيْ رَاجَعُوهُنَّ {بِمَعْرُوفٍ} قِيلَ الْمُرَاجَعَةُ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ لَا بِالْوَطْءِ.

{أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أَيِ اتْرُكُوهُنَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ فَيَكُنَّ أَمْلَكَ بِأَنْفُسِهِنَّ {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} أَيْ لَا تَقْصِدُوا بِالرَّجْعَةِ الْمُضَارَّةَ بِتَطْوِيلِ الْحَبْسِ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} أي أضر ٣٨/ب بِنَفْسِهِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} قَالَ الْكَلْبِيُّ يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ" وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ فَهُوَ مُتَّخِذٌ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقُولُ: كُنْتُ لَاعِبًا، وَيُعْتِقُ وَيَقُولُ: مِثْلَ ذَلِكَ [وَيَنْكِحُ وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ] (١) .

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَبِيبِ بْنِ أَرْدَكَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ مَاهَكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ" (٢) . {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بِالْإِيمَانِ {وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {وَالْحِكْمَةَ} يَعْنِي: السُّنَّةَ، وَقِيلَ: مَوَاعِظُ الْقُرْآنِ {يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِ شَيْءٍ عَلِيمٌ}


(١) ساقط من (أ) .
(٢) رواه أبو داود: في الطلاق - باب: في الطلاق على الهزل ٣ / ١١٨-١١٩. والترمذي: في الطلاق - باب: ما جاء في الجد والهزل في الطلاق ٤ / ٣٦٢ وقال: هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه: في الطلاق - باب: من طلق أو نكح أو راجع لاعبا برقم (٢٠٣٩) ١ / ٦٥٨. والحاكم: ٢ / ١٩٧ وصححه والدارقطني في السنن ٣ / ٢٥٦-٢٥٧. وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أردك وهو مختلف فيه: قال النسائي: منكر الحديث ووثقه غيره، قال الحافظ فهو على هذا حسن (تحفة الأحوذي: ٤ / ٣٦٢) . والمصنف في شرح السنة ٩ / ٢١٩ انظر التلخيص الحبير ٣ / ٢٠٧ وإرواء الغليل ٦ / ٢٢٤-٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>