وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا يَكُونُ مِنْ مُتَنَاجِينَ ثَلَاثَةٍ يُسَارُّ، بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ بِالْعِلْمِ، يَعْلَمُ نَجْوَاهُمْ {وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} قَرَأَ يَعْقُوبُ: "أَكْثَرُ" بِالرَّفْعِ عَلَى مَحَلِّ الْكَلَامِ قَبْلَ دُخُولِ "مِنْ" {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَيَتَغَامَزُونَ بِأَعْيُنِهِمْ، يُوهِمُونَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا يَسُوءُهُمْ، فَيَحْزَنُونَ لِذَلِكَ وَيَقُولُونَ مَا نَرَاهُمْ إِلَّا وَقَدْ بَلَغَهُمْ عَنْ إِخْوَانِنَا الَّذِينَ خَرَجُوا فِي السَّرَايَا قَتْلٌ أَوْ مَوْتٌ أَوْ هَزِيمَةٌ، فَيَقَعُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ وَيُحْزِنُهُمْ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَكَثُرَ شَكُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَتَنَاجَوْا دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ وَعَادُوا إِلَى مُنَاجَاتِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ (١) "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى" أَيِ الْمُنَاجَاةِ {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} أَيْ يَرْجِعُونَ إِلَى الْمُنَاجَاةِ الَّتِي نُهُوا عَنْهَا {وَيَتَنَاجَوْنَ} قَرَأَ الْأَعْمَشُ وحمزة: و"وينتنجون" عَلَى وَزْنِ يَفْتَعِلُونَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ "يَتَنَاجَوْنَ" لِقَوْلِهِ: "إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ" وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ نَهَاهُمْ عَنِ النَّجْوَى فَعَصَوْهُ {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَيَقُولُونَ} السَّامُ عَلَيْكَ. " وَالسَّامُ ": الْمَوْتُ، وَهُمْ يُوهِمُونَهُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ فَيَقُولُ: عَلَيْكُمْ، فَإِذَا خَرَجُوا قَالُوا: {فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} يُرِيدُونَ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا حَقًّا لَعَذَّبَنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
(١) انظر: الطبري: ٢٨ / ١٣، ابن كثير: ٤ / ٣٢٤، الدر المنثور: ٨ / ٨٠ والواحدي في أسباب النزول: ص (٤٧٤) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute