للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَكَعْبَتَنَا ... فأمْرٌ ما بدَالَكْ

فَلَمْ أَسْمَعْ بِأَرْجَسَ مِنْ رِجَالٍ ... أَرَادُوا الْغَزْوَ يَنْتَهِكُوا حَرَامَكَ (١)

ثُمَّ تَرَكَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْحَلْقَةَ وَتَوَجَّهَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْوُجُوهِ مَعَ قَوْمِهِ، وَأَصْبَحَ أَبْرَهَةُ بِالْمُغَمَّسِ قَدْ تَهَيَّأَ لِلدُّخُولِ وَعَبَّأَ جَيْشَهُ وَهَيَّأَ فِيلَهُ، وَكَانَ فِيلًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ فِي الْعِظَمِ وَالْقُوَّةِ وَيُقَالُ كَانَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ فِيلًا.

فَأَقْبَلَ نُفَيْلٌ إِلَى الْفِيلِ الْأَعْظَمِ ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ فَقَالَ: اُبْرُكْ مَحْمُودُ وَارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ [فَإِنَّكَ] (٢) فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ، فَبَرَكَ الْفِيلُ فَبَعَثُوهُ فَأَبَى، فَضَرَبُوهُ بِالْمِعْوَلِ فِي رَأْسِهِ فَأَبَى، فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَهُمْ تَحْتَ مِرَاقِهِ وَمَرَافِقِهِ فَنَزَعُوهُ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَوَجَّهُوهُ رَاجِعًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَامَ يُهَرْوِلُ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى الشَّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَصَرَفُوهُ إِلَى الْحَرَمِ فَبَرَكَ وَأَبَى أَنْ يَقُومَ.

وَخَرَجَ نُفَيْلٌ يَشْتَدُّ حَتَّى [صَعِدَ] (٣) فِي الْجَبَلِ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا مِنَ الْبَحْرِ أَمْثَالَ الْخَطَاطِيفِ مَعَ كُلِّ [طَائِرٍ] (٤) مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ: حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ، وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، أَمْثَالُ الْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ، فَلَمَّا غَشَيْنَ الْقَوْمَ أَرْسَلْنَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ تُصِبْ تِلْكَ الْحِجَارَةُ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ، وَلَيْسَ كُلُّ الْقَوْمِ أَصَابَتْ وَخَرَجُوا هَارِبِينَ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الطَّرِيقِ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ، يَتَسَاءَلُونَ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ لِيَدُلَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ إِلَى الْيَمَنِ، وَنُفَيْلٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْجِبَالِ، فَصَرَخَ الْقَوْمُ وَمَاجَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ يَتَسَاقَطُونَ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَيَهْلِكُونَ عَلَى كُلِّ [مَهْلِكٍ] (٥) .

وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى أَبْرَهَةَ دَاءً فِي جَسَدِهِ فَجَعَلَ يَتَسَاقَطُ أَنَامِلُهُ كُلَّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ اتَّبَعَتْهَا [مِدَّةٌ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ] (٦) ، فَانْتَهَى إِلَى صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّيْرِ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ ثُمَّ هَلَكَ (٧) .

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَمَّا مَحْمُودٌ، فِيلُ النَّجَاشِيِّ، فَرَبَضَ وَلَمْ [يَسِرْ] (٨) عَلَى الْحَرَمِ فَنَجَا، وَالْفِيلُ


(١) هذا البيت زيادة من "أ".
(٢) ساقط من "ب".
(٣) في "ب" أصعد.
(٤) في "ب" طير.
(٥) في "ب" مهل.
(٦) وهي الغليظه من القيح، أما الرقيقة فهي صديد.
(٧) أخرجه ابن هشام: ١ / ٤٤ - ٥٦. وأخرجه الطبري في التاريخ: ٢ / ١٢٨ - ١٣٩، من طريق ابن إسحاق.
(٨) في "ب" يشجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>