للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَدَّثَهُمْ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ يَعْنِي الْمُعَلِّمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِيَ يَتِيمٌ؟ فَقَالَ: "كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَادِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ" (١) .

وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَقْضِي إِذَا أَيْسَرَ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} فَالْمَعْرُوفُ الْقَرْضُ، أَيْ: يَسْتَقْرِضُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَيْسَرَ قَضَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْيَتِيمِ: إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفَتُ وَإِنِ افْتَقَرَتُ أَكَلَتُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْتُ (٢) .

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ كَمَا يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا الْأَكْلِ بِالْمَعْرُوفِ، فَقَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ: يَأْكُلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَلَا يُسْرِفُ وَلَا يَكْتَسِي مِنْهُ، وَلَا يَلْبَسُ الْكَتَّانَ وَلَا الْحُلَلَ، وَلَكِنْ مَا سَدَّ الْجَوْعَةَ وَوَارَى الْعَوْرَةَ.

وَقَالَ الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ: يَأْكُلُ مِنْ ثَمَرِ نَخِيلِهِ وَلَبَنِ مَوَاشِيهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَلَا؛ فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ رَدَّهُ.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَعْرُوفُ رُكُوبُ الدَّابَّةِ وَخِدْمَةُ الْخَادِمِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا.

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ لِي يَتِيمًا وَإِنَّ لَهُ إِبِلًا أَفَأَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ إِبِلِهِ؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّةَ إِبِلِهِ وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا وَتَلِيطُ حَوْضَهَا وَتَسْقِيهَا يَوْمَ وِرْدَهَا فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ وَلَا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ (٣) .


(١) أخرجه أبو داود في كتاب الوصايا، باب ما لولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم: ٤ / ١٥١ - ١٥٢، والنسائي في الوصايا، باب ما للوصي من مال اليتيم إذا قام عليه: ٦ / ٢٥٦، وابن ماجه في الوصايا، باب قوله: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف، برقم (٢٧١٨) : ٢ / ٩٠٧. والمصنف في شرح السنة: ٨ / ٣٠٥. وزاد الحافظ ابن حجر نسبته لابن خزيمة وابن الجارود وابن أبي حاتم، وقال: إسناده قوي. انظر فتح الباري: ٨ / ٢٤١.
(٢) أخرجه أبو يوسف في الخراج ص ٣٩، ١٢٧، وقال ابن حجر: رواه ابن سعد وابن أبي شيبة والطبري، من رواية إسرائيل وسفيان كلاهما عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال. . . ورواه سعيد بن منصور عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن البراء قال: قال لي عمر. . . انظر: الكافي الشاف ص (٣٩) .
(٣) أخرجه الطبري: ٧ / ٥٨٨، وعزاه ابن حجر لعبد الرزاق من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد، وقال أخرجه الطبري من طريقه والثعلبي والواحدي من وجه آخر عن القاسم، ورواه البغوي من طريق مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم، وهو في الموطأ. انظر: الكافي الشاف ص (٣٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>