للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْإِسْلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَالْإِيمَانَ اسْمًا لِمَا بَطَنَ مِنَ الِاعْتِقَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ أَوِ التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَجِمَاعُهَا الدِّينُ، وَلِذَلِكَ قَالَ ذَاكَ جَبْرَائِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ مِنَ الْإِيمَانِ مَا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ جَرِيرٍ الرَّازِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ" (١) .

وَقِيلَ: الْإِيمَانُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَمَانِ، فَسُمِّيَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ يُؤَمِّنُ نَفْسَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُؤْمِنٌ لِأَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْعِبَادَ مِنْ عَذَابِهِ (٢) .

قَوْلُهُ تَعَالَى "بِالْغَيْبِ": وَالْغَيْبُ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ فَقِيلَ لِلْغَائِبِ غَيْبٌ [كَمَا قِيلَ لِلْعَادِلِ عَدْلٌ وَلِلزَّائِرِ زَوْرٌ. وَالْغَيْبُ مَا كَانَ مَغِيبًا عَنِ الْعُيُونِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْغَيْبُ هَاهُنَا كُلُّ مَا أُمِرْتَ بِالْإِيمَانِ بِهِ فِيمَا غَابَ عَنْ بَصَرِكَ مِثْلَ الْمَلَائِكَةِ وَالْبَعْثِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ. وَقِيلَ الْغَيْبُ هَاهُنَا: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: بِالْآخِرَةِ وَقَالَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ: بِالْوَحْيِ. نَظِيرُهُ: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ} (٣٥-النَّجْمِ) وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِالْقَدَرِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَمَا سَبَقُونَا بِهِ] (٣) فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ كَانَ بَيِّنًا لِمَنْ رَآهُ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا آمَنَ أَحَدٌ قَطُّ إِيمَانًا أَفْضَلَ مِنْ إِيمَانٍ بِغَيْبٍ ثُمَّ قَرَأَ "الم ذَلِكَ الْكِتَابُ" إِلَى قَوْلِهِ "الْمُفْلِحُونَ". قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ يُؤْمِنُونَ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ وَكَذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ بِتَرْكِ كُلِّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ إِلَّا فِي أَنْبِئْهُمْ وَنَبِّئْهُمْ وَنَبِّئْنَا وَيَتْرُكُ أَبُو عَمْرٍو كُلَّهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَلَامَةً لِلْجَزْمِ نَحْوَ نَبِّئْهُمْ وَأَنْبِئْهُمْ وَتَسُؤْهُمْ وَإِنْ نَشَأْ وَنَنْسَأْهَا وَنَحْوَهَا أَوْ يَكُونَ خُرُوجًا مِنْ لُغَةٍ إِلَى أُخْرَى نَحْوَ مُؤْصَدَةٌ وَرِئْيًا. وَيَتْرُكُ وَرْشٌ كُلَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ كَانَتْ فَاءَ الْفِعْلِ إِلَّا تُؤْوِي وَتُؤْوِيهِ وَلَا يَتْرُكُ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ: إِلَّا الرُّؤْيَا وَبَابَهُ، إِلَّا مَا كَانَ عَلَى وَزْنِ فِعْلٍ. مِثْلَ: ذِئْبٍ] (٤)

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} أَيْ يُدِيمُونَهَا وَيُحَافِظُونَ عَلَيْهَا فِي مَوَاقِيتِهَا بِحُدُودِهَا، وَأَرْكَانِهَا وَهَيْئَاتِهَا


(١) أخرجه البخاري في الإيمان، باب أمور الإيمان: ١ / ٥٠. ومسلم في الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها برقم (٥٧) : ١ / ٦٣ وأخرجه المصنف في شرح السنة: ١ / ٣٤.
(٢) راجع بالتفصيل فيما يتعلق بمباحث الإيمان كتاب "الإيمان" لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(٣) زيادة من "ب".
(٤) ساقط من حاشية ابن كثير ومثبت على حاشية الخازن ص (٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>