للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّحِيحُ وَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ جَرِيحًا اقْتَصَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ.

وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ أَوْجَبَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} أَرَادَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا، وَعُدِمَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلِيَمَسَّهُ بَشَرَهُ" (١) .

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ مَرِيضًا وَلَا فِي سَفَرٍ لَكِنَّهُ عَدِمَ الْمَاءَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعْدَمُ فِيهِ الْمَاءُ غَالِبًا بِأَنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ انْقَطَعَ مَاؤُهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ يُعِيدُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَعِنْدَ مَالِكٍ والأَوْزَاعِيِّ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ (٢) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} أَرَادَ بِهِ إِذَا أَحْدَثَ، وَالْغَائِطُ: اسْمٌ لِلْمُطْمَئِنِّ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ إتْيَانَ الْغَائِطِ لِلْحَدَثِ فَكُنِيَّ عَنِ الْحَدَثِ بِالْغَائِطِ، {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ " لَمَسَتْمُ " هَاهُنَا وَفِي الْمَائِدَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ {لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}

وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى اللَّمْسِ وَالْمُلَامَسَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: الْمُجَامَعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ، وَكَنَّيَّ بِاللَّمْسِ [عَنِ الْجِمَاعِ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِاللَّمْسِ] (٣) .

وَقَالَ قَوْمٌ: هُمَا الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْآيَةِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَفْضَى الرَّجُلُ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِ الْمَرْأَةِ وَلَا حَائِلَ بينهما، ينتقض وضوؤهما، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ والأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: إِنْ كَانَ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ نَقَضَ الطُّهْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ


(١) أخرجه أبو داود في الطهارة، باب الجنب يتيمم: ١ / ٢٠٥ - ٢٠٦، والترمذي في الطهارة، باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء: ١ / ٣٨٧ - ٣٨٨، وقال هذا حديث حسن صحيح. والنسائي في الطهارة، باب الصلوات يتيمم واحد: ١ / ١٧١، والحاكم في المستدرك: ١ / ١٧٦ - ١٧٧ وصححه ووافقه الذهبي، وأحمد: ٥ / ١٤٦، ١٤٧. . وصححه ابن حبان في موارد الظمآن برقم (١٩٦) ص (٧٥) وأخرجه البزار من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا، وصححه ابن القطان، ولكن قال الدارقطني: إن الصواب إرساله. انظر فتح الباري: ١ / ٤٤٦.
(٢) عند الحنفية: إذا كان يرجو أو يطمع أن يجد الماء يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت المستحب، وقال بعضهم يؤخرها إلى آخر وقت الجواز، والأول أصح. انظر: الفتاوى الهندية: ١ / ٣٠، فتح القدير: ١ / ٩٤.
(٣) ساقط من: (أ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>