وَلَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ أَفْطَرَتْ أَيَّامَ الْحَيْضِ وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ، فَإِذَا طَهُرَتْ بَنَتْ عَلَى مَا صَامَتْ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَكْتُوبٌ عَلَى النِّسَاءِ لَا يُمْكِنُهُنَّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ فَهَلْ يَخْرُجُ عَنْهُ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يَخْرُجُ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالثَّانِي: لَا يَخْرُجُ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ بَدَلًا فَقَالَ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ}
{تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} أَيْ: جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ تَوْبَةً لِقَاتِلِ الْخَطَإِ {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا} بِمَنْ قَتَلَ خَطَأً {حَكِيمًا} فِيمَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ.
أَمَّا الْكَلَامُ فِي بَيَانِ الدِّيَةِ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَتْلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: عَمْدٌ مَحْضٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأٌ مَحْضٌ.
أَمَّا الْعَمْدُ الْمَحْضُ فَهُوَ: أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَ إِنْسَانٍ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا فَقَتَلَهُ فَفِيهِ الْقَصَّاصُ عِنْدَ وُجُودِ التَّكَافُؤِ، أَوْ دِيَةٌ مُغْلِظَةٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةٌ.
وَشِبْهُ الْعَمْدِ: أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِمَا لَا يَمُوتُ مِثْلُهُ مِنْ مَثَلٍ ذَلِكَ الضَّرْبِ غَالِبًا، بِأَنْ ضَرَبَهُ بِعَصًا خَفِيفَةٍ، أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ ضَرْبَةً أَوْ ضَرْبَتَيْنِ، فَمَاتَ فَلَا قَصَاصَ فِيهِ، بَلْ يَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُؤَجَّلَةٌ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ.
وَالْخَطَأُ الْمَحْضُ هُوَ: أَنْ لَا يَقْصِدُ ضَرْبَهُ بَلْ قَصَدَ شَيْئًا آخَرَ فَأَصَابَهُ فَمَاتَ مِنْهُ فَلَا قَصَاصَ فِيهِ، بَلْ تَجِبُ دِيَةٌ مُخَفِّفَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُؤَجَّلَةٌ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ.
وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَتْلُ الْعُمَدِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ.
وَدِيَةٌ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ فَإِذَا عُدِمَتِ الْإِبِلُ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ بَدَلٌ مُقَدَّرٌ مِنْهَا وَهُوَ أَلْفُ دِينَارٍ، أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَرَضَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرَقِ اثَّنَى عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ" (١) .
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الدِّيَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وأصحاب الرأي.
(١) انظر: سنن البيهقي: ٨ / ٧٦. مصنف عبد الرزاق: ٩ / ٢٩٦.