للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّهَا نَزَلَتْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: "إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ"، وَلَا خُلْفَ فِي خَبَرِهِ، لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا فَرَوَى خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّهَا مُقِيمَةٌ لَكُمْ مَا لَمْ تَخُونُوا [وَتُخَبِّؤُوا] (١) فَمَا مَضَى يَوْمُهُمْ حَتَّى خَانُوا وَخَبَّؤُوا فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ (٢) .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُمْ: صُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ مَا شِئْتُمْ يُعْطِكُمُوهُ، فَصَامُوا فَلَمَّا فَرَغُوا قَالُوا: يَا عِيسَى إِنَّا لَوْ عَمِلْنَا لِأَحَدٍ فَقَضَيْنَا عَمَلَهُ لَأَطْعَمَنَا، وَسَأَلُوا اللَّهَ الْمَائِدَةَ فَأَقْبَلَتِ الْمَلَائِكَةُ بمائدة يحملونها، علها سَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَبْعَةُ أَحْوَاتٍ حَتَّى وَضَعَتْهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَأَكَلَ مِنْهَا آخِرُ النَّاسِ كَمَا أَكَلَ أَوَّلُهُمْ (٣) .

قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: نَزَلَتْ [مَائِدَةٌ] مَنْكُوسَةٌ تَطِيرُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، عَلَيْهَا كُلُّ الطَّعَامِ إِلَّا اللَّحْمَ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أُنْزِلَ عَلَى الْمَائِدَةِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ، قَالَ قَتَادَةُ كَانَ عَلَيْهَا ثَمَرٌ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ.

وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ سَمَكَةٌ فِيهَا طَعْمُ كُلِّ شَيْءٍ.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ عَلَيْهَا خُبْزٌ وَرُزٌّ وَبَقْلٌ.

وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ أَقْرِصَةً مِنْ شَعِيرٍ وَحِيتَانًا وَكَانَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَجِيءُ آخَرُونَ فَيَأْكُلُونَ حَتَّى أَكَلُوا جَمِيعُهُمْ وَفَضَلَ.


(١) زيادة من "ب".
(٢) أخرجه الطبري في التفسير عن عمار بن ياسر مرفوعا وموقوفا: ١١ / ٢٢٨،٢٢٩، والترمذي في تفسير سورة المائدة: ٨ / ٤٣٣، وقال: "هذا حديث غريب، ورواه أبو عاصم وغير واحد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن عمار موقوفا، ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحسن بن قزعة ... ولا نعلم للحديث المرفوع أصلا".
(٣) ينبغي أن نذكر هنا بأن أصل القصة ثابت بالقرآن الكريم، ولا يتوقف فهم هذا على شيء من الروايات الكثيرة التي ساقها المفسرون لبيان صفة هذه المائدة وكيفية نزولها ووقت النزول ... إلخ هذه الروايات المنقولة عن وهب بن منبه، وكعب الأحبار، وسلمان، وابن عباس، ومقاتل والكلبي وعطاء، وغيرهم. فإنها غير ثابتة الإسناد، وما قد يكون صحيح النسبة إلى قائله منها، لا يعني أنه صحيح في ذاته، فقد ينقل الخبر عن وهب مثلا بسند ثابت، ولكنه متلقى من أهل الكتاب، فينبغي تنزيه كتب التفسير عن أمثال هذه الروايات، ومنها ما ساقه البغوي هنا في تفسيره. هذا، وقد أشار ابن كثير والقرطبي وابن عطية وغيرهم إلى ضعف هذه الروايات الإسرائيلية. والله أعلم. انظر أيضا: الإسرائيليات والموضوعات د. محمد أبو شهبة ص (٢٦٦-٢٧٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>