للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{مُسْتَقِيمًا} مُسْتَوِيًا قَوِيمًا، {فَاتَّبِعُوهُ} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ "وَإِنَّ" بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِفَتْحِ الْأَلِفِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْمَعْنَى وَأَتْلُ عَلَيْكُمْ أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: بِسُكُونِ النُّونِ. {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} أَيْ: الطُّرُقَ الْمُخْتَلِفَةَ الَّتِي عَدَا هَذَا الطَّرِيقِ، مِثْلَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَسَائِرِ الْمِلَلِ، وَقِيلَ: الْأَهْوَاءُ وَالْبِدَعُ، {فَتَفَرَّقَ} فَتَمِيلَ، {بِكُمْ} وَتَشَتَّتَ، {عَنْ سَبِيلِهِ} عَنْ طَرِيقِهِ وَدِينِهِ الَّذِي ارْتَضَى، وَبِهِ أَوْصَى، {ذَلِكُمْ} الَّذِي ذَكَرْتُ، {وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الترابي المعروف ١٢٦/ب بِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ ثَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ ثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ثُمَّ قَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ" ثُمَّ قَرَأَ" "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ" الْآيَةَ. (١)

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَالَ: "ثُمَّ آتَيْنَا" وَحَرْفُ "ثُمَّ" لِلتَّعْقِيبِ وَإِيتَاءُ مُوسَى الْكِتَابَ كَانَ قَبْلَ مَجِيءِ الْقُرْآنِ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ ثُمَّ أُخْبِرُكُمْ أَنَّا آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ، فَدَخَلَ "ثُمَّ" لِتَأْخِيرِ الْخَبَرِ لَا لِتَأْخِيرِ النُّزُولِ.

{تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} اخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ: تَمَامًا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ قَوْمِهِ، فَتَكُونُ "الَّذِي" بِمَعْنَى مَنْ، أَيْ: عَلَى مَنْ أَحْسَنَ مَنْ قَوْمِهُ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ مُحْسِنٌ وَمُسِيءٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: "عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا" وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَحْسَنَ، أَيْ: أَتْمَمْنَا فَضِيلَةَ مُوسَى بِالْكِتَابِ عَلَى الْمُحْسِنِينَ، يَعْنِي: أَظْهَرْنَا فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ، وَالْمُحْسِنُونَ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَقِيلَ: "الَّذِي أَحْسَنَ" هُوَ مُوسَى، وَ"الَّذِي" بِمَعْنَى مَا، أَيْ: عَلَى مَا أَحْسَنَ مُوسَى، تَقْدِيرُهُ: آتَيْنَاهُ الْكِتَابَ، يَعْنِي التَّوْرَاةَ، إِتْمَامًا عَلَيْهِ لِلنِّعْمَةِ، لِإِحْسَانِهِ فِي الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الْأَمْرِ.

وَقِيلَ: الْإِحْسَانُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَأَحْسَنَ بِمَعْنَى عَلِمَ، وَمَعْنَاهُ: تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ مُوسَى


(١) أخرجه الدارمي في المقدمة، باب كراهية أخذ الرأي: ١ / ٦٧، والطبري في التفسير برقم (١٤١٦٨) ، وصححه الحاكم: ٢ / ٣١٨، ووافقه الذهبي، وأخرجه أيضا الآجري في الشريعة ص (١٠) واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: ١ / ٨٠-٨١، وابن أبي عاصم في السنة: ١ / ١٣، والإمام أحمد في المسند ١ / ٤٣٥. قال الهيثمي في المجمع: ٧ / ٢٢: " رواه أحمد والبزار، وفيه عاصم بن بهدلة، وهو ثقة وفيه ضعف " وأخرجه المصنف في شرح السنة: ١ / ١٩٦-١٩٧ وانظر: تفسير ابن كثير: ٢ / ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>