للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعُمْرَةِ الْقَصْدُ قَالَ الشَّاعِر

لَقَدْ سَمَا ابْنُ مَعْمَرٍ حِينَ اعْتَمَرَ ... فَحَلَّ أَعْلَى مُحْتَدٍ وَمُفْتَخِرٍ

أَرَادَ حِينَ قَصَدَ انْتَهَى. وَفِي الشَّرْعِ زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ أَوْ تَقُولُ: عِبَادَةٌ يَلْزَمُهَا طَوَافٌ وَسَعْيٌ فَقَطْ مَعَ إحْرَامٍ، وَقَوْلُنَا: فَقَطْ لِيَخْرُجَ الْحَجُّ

[فَائِدَة أَحْكَامَ الْحَجِّ]

(فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ: أَحْكَامُ الْحَجِّ كَثِيرَةٌ وَفُرُوعُهُ غَزِيرَةٌ وَالِاعْتِبَارُ بِهَا الْيَوْمَ قَلِيلٌ لَا سِيَّمَا بِبِلَادِ الْغَرْبِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَتَحْقِيقُهَا فِي الْغَالِبِ يَحْتَاجُ لِطَوِيلِ الْبَحْثِ وَدَقِيقِ النَّظَرِ وَبَعْضِ الْمُلَابَسَةِ فِي الْفِعْلِ فَلْيُعْذَرْ الْمُتَكَلِّمُ فِيهِ عِنْدَ تَقْصِيرِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا عَبْدَ اللَّهِ الْقُورِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ حَاكِيًا عَنْ غَيْرِهِ: إنَّ أَحْكَامَ الْحَجِّ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ لِزِمَامٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَدْ تَنْضَبِطُ أَفْعَالُهُ وَذَكَرَ أَنَّهَا تِسْعَةَ عَشَرَ فِعْلًا وَالْعُمْرَةُ نِصْفُهَا وَعِنْدِي أَنَّ أُصُولَهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَقَدْ جَمَعْتهَا فِي أَبْيَاتٍ

وَهِيَ أَحْرِمْ وَلَبِّ ثُمَّ طُفْ وَاسْعَ وَزِدْ ... فِي عُمْرَةٍ حَلْقًا وَحَجًّا إنْ تُرِدْ

فَزِدْ مِنًى وَعَرَفَاتٍ جَمْعًا ... وَمَشْعَرًا وَالْجَمَرَاتِ السَّبْعَا

وَانْحَرْ وَقَصِّرْ وَافْضِ ثُمَّ ارْجِعْ ... لِلرَّمْيِ أَيَّامَ مِنًى وَوَدِّعْ

وَكَمِّلْ الْحَجَّةَ بِالزِّيَارَةِ ... مُتَّقِيًا مِنْ نَفْسِك الْأَمَّارَةِ

فَالسِّرُّ فِي التَّقْوَى وَالِاسْتِقَامَةِ ... وَفِي الْيَقِينِ أَكْبَرُ الْكَرَامَةِ

ص (وَفِي فَوْرِيَّتِهِ وَتَرَاخِيهِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ خِلَافٌ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ وَشُرُوطُهُ الْآتِيَةُ وَجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِيهَا وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ عَنْهَا أَوْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ إمَّا لِفَسَادِ الطَّرِيقِ بَعْدَ أَمْنِهَا أَوْ لِخَوْفِ ذَهَابِ مَالِهِ أَوْ صِحَّتِهِ أَوْ بِبُلُوغِهِ السِّتِّينَ، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَغَيْرُهُ: أَوْ يُخَافُ عَجْزُهُ فِي بَدَنِهِ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْفَوْرِ اتِّفَاقًا، ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَالْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ وَابْنُ بَزِيزَةَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي مِنْهُمَا شَهَرَهُ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْبَاجِيُّ وَابْنُ رَاشِدٍ والتِّلِمْسَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمَغَارِبَةِ يَرَوْنَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ انْتَهَى.

((قُلْتُ)) يَعْنِي أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَسَائِلَ الْمَذْهَبِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا خِلَافَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ اُخْتُلِفَ فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ فَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ عِنْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَمَسَائِلُهُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، شَهْرُ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا التَّرَاخِي وَحَاصِلُ نُصُوصِهِمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ اخْتَلَفَ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: هَلْ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي؟ وَالْقَائِلُ بِهَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي يَرَى التَّوْسِعَةَ مُغَيَّاةً بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ خَوْفِ الْفَوَاتِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَكَثْرَةِ الْأَمْرَاضِ وَقِلَّتِهَا وَأَمْنِ الطَّرِيقِ وَخَوْفِهَا وَحَدَّهُ سَحْنُونٌ بِسِتِّينَ سَنَةٍ، قَالَ: وَيَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذَا زَادَ عَلَيْهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ صَاحِبُ التَّمْهِيدِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ: يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ غَيْرَ سَحْنُونٍ انْتَهَى.

زَادَ ابْنُ الْحَاجِّ وَالتَّادَلِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّمْهِيدِ وَهَذَا تَوْقِيتٌ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ مِمَّنْ يَجِبُ لَهُ التَّسْلِيمُ.

قَالَ: وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُجْدِي ذَلِكَ وَالْحُدُودُ فِي الشَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ إلَّا مِمَّنْ لَهُ أَنْ يُشَرِّعَ، وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ لِسَحْنُونٍ بِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» وَقَلَّ مَنْ يُجَاوِزُ ذَلِكَ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ خَرَجَ عَنْ الْأَغْلَبِ أَيْضًا وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>