للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ: وَلِلْغُسْلِ سِدْرٌ، يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُجْعَلُ السِّدْرُ فِي غَيْرِ الْأُولَى، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَأَحْسَنُ مَا جَاءَ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَفِي الْآخِرَةِ كَافُورًا إنْ تَيَسَّرَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَأَنَّهُ يُرِيدُ فِي غَيْرِ الْأُولَى، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُدَلَّكَ الْمَيِّتُ بِالسِّدْرِ ثُمَّ يُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْقَرَاحُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْيَاخِي وَالْمُدَوَّنَةُ قَابِلَةٌ لَهُ، وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ يَكُونُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مُوَافِقًا لِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَحَمَلَهَا اللَّخْمِيُّ عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَخَذَ مِنْهَا جَوَازَ غُسْلِهِ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ كَقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ وَجَعَلَ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ خِلَافًا، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ اخْتِيَارِ أَشْيَاخِهِ ظَاهِرٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ إذَا وَرَدَ عَلَى الْعُضْوِ طَهُورًا وَانْضَافَ فِيهِ لَا يَضُرُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الطَّهَارَةِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ التُّونُسِيِّ: خَلْطُ الْمَاءِ بِالسِّدْرِ يُضِيفُهُ، وَصَبُّهُ عَلَى الْجَسَدِ بَعْدَ حَكِّهِ بِهِ لَا يُضِيفُهُ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي بَابِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُخْتَصَرِ عِنْدَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَيْسَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ حَدٌّ مَا نَصُّهُ: اُخْتُلِفَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ حَاشَا الشَّهِيدَ شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَرُوِيَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا تُوُفِّيَ أُتِيَ بِحَنُوطٍ وَكَفَنٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَةُ وَغَسَّلَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ فِي وِتْرٍ مِنْ الثِّيَابِ وَحَنَّطُوهُ وَتَقَدَّمَ مَلَكٌ مِنْهُمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَصَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ ثُمَّ أَقْبَرُوهُ وَأَلْحَدُوهُ وَنَصَبُوا اللَّبِنَ عَلَيْهِ وَابْنُهُ شِيثٌ مَعَهُمْ فَلَمَّا فَرَغُوا قَالُوا لَهُ هَكَذَا فَاصْنَعْ بِوَلَدِك وَإِخْوَتِك فَإِنَّهَا سُنَّتُكُمْ انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِزَمْزَمَ يُرِيدُ مَعَ كَرَاهَةِ ذَلِكَ لِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: إنْ حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ كَرِهْنَا غُسْلَهُ بِهِ؛ لِكَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي النَّجَاسَاتِ وَإِنْ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ أَجَزْنَا غُسْلَهُ بِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ: قَالُوا وَلَوْ كَانَ فِي جَسَدِ الْمَيِّتِ نَجَاسَةٌ كُرِهَ غَسْلُهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ انْتَهَى.

[فَرْعٌ التَّكْفِين بِثَوْبِ غَسَلَ بِمَاء زَمْزَم]

(فَرْعٌ) ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ لَا يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ قَالَ: وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ هَذَا لَا يَجْرِي إلَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ الَّذِي يَمْنَعُ غَسْلَ النَّجَاسَةِ بِهِ.

الثَّانِي: أَنَّ أَجْزَاءَ الْمَاءِ قَدْ ذَهَبَتْ حِسًّا وَمَعْنًى، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ نَظَرٌ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْمَاءِ مِنْ حَلَاوَةٍ وَمُلُوحَةٍ، وَبَعْضُ شُيُوخِهِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الصلاة على الميت]

وَقَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ قَالَ سَنَدٌ: وَيُخْتَلَفُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَمْ لَا؟ .

فَذَهَبَ جُمْهُورُ النَّاسِ إلَى أَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ فَقَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فَرْضٌ يَحْمِلُهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِيمَنْ صَحِبَ الْجِنَازَةَ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ، وَاحْتَجَّ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمَعُونَةِ لِلْفَرِيضَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» ، وَبِقَوْلِهِ «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثَلَاثٌ فَذَكَرَ وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ» .

وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَيَّنَ فَرَائِضَ الْخَمْسِ الصَّلَوَاتِ قَالَ لَهُ السَّائِلُ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ؛ وَلِأَنَّ الْإِقَامَةَ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ وَفَرَائِضِ الصَّلَاةِ؛ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ فَرْضًا لَشُرِعَتْ لَهَا الْإِقَامَةُ وَالْأَذَانُ كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ فَلَمَّا لَمْ تُشْرَعْ لَهَا الْإِقَامَةُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْتِفَاءِ الْفَرِيضَةِ فِيهَا كَسَائِرِ النَّوَافِلِ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أُخَرَ احْتَجَّ بِهَا عَلَى عَدَمِ الْفَرِيضَةِ فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَهَلْ هِيَ سُنَّةٌ، أَوْ تَنْحَطُّ عَنْ رُتْبَةِ السُّنَنِ إلَى الرَّغَائِبِ وَالْمَنْدُوبَاتِ؟ .

حَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي مَعُونَتِهِ عَنْ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةً وَهِيَ مِنْ الرَّغَائِبِ؛ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٌ يَقُولَانِ شُهُودُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ شُهُودِ النَّوَافِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>