للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَاكَ رَوَيْنَا فِي الْحَدِيثِ مُسَطَّرًا ... وَمَا جَاءَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ سَطَرْنَاهُ

قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي مَنَاسِكِهِ: وَإِنَّمَا أُتِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي عَدَمِ قَبُولِ عِبَادَاتِهِمْ وَعَدَمِ اسْتِجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ لِعَدَمِ تَصْفِيَةِ أَقْوَاتِهِمْ عَنْ الْحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ انْتَهَى.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ فَحَجُّهُ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَبْرُورٍ انْتَهَى، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمَبْرُورَ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ مَأْثَمٌ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُقُوعُهُ فِي الْإِثْمِ وَقَدْ حَمَلَ الْعُلَمَاءُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ تَعَاطَى الشُّبُهَاتِ وَدَاوَمَ أَفْضَتْ بِهِ إلَى الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ تَعَاطَى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَشْعُرُ بِهَا فَمُنِعَ مِنْ تَعَاطَى الشُّبُهَاتِ لِذَلِكَ انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ فَمَنْ تَعَاطَى مَا فِيهِ شُبْهَةٌ لَا يُحْرَمُ فَإِنَّهُ آثِمٌ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشُّبُهَاتِ حَرَامٌ وَقِيلَ: إنَّهَا حَلَالٌ وَصَوَّبَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ انْتَهَى مِنْ شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ لِلْفَاكِهَانِيِّ وَلِأَنَّهُمْ عَدُّوا مِنْ الشُّبُهَاتِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفَاكِهَانِيُّ وَالزَّنَاتِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَابْنُ نَاجِي وَمَنْ ارْتَكَبَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ لَا نَقُولُ فِيهِ إثْمٌ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَإِنْ حَجَّ بِشُبْهَةٍ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ حَجُّهُ مَبْرُورًا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَلَالِ هَلْ هُوَ مَا عُلِمَ أَصْلُهُ أَوْ مَا جُهِلَ أَصْلُهُ: وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ الثَّانِي مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْفَاكِهَانِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْسَكِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي أَمْرِ الزَّادِ وَمَا يُنْفِقُهُ فَيَكُونُ مِنْ أَطْيَبِ جِهَةٍ لِأَنَّ الْحَلَالَ يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُكَسِّلُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَكَانَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَتْرُكُونَ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ هَذَا وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِغَيْرِ الْحَجِّ فَمَا بَالُكَ بِالْحَجِّ انْتَهَى، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَكَلَ الْحَلَالَ أَطَاعَ اللَّهَ شَاءَ أَوْ أَبَى وَمَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ عَصَى اللَّهَ شَاءَ أَوْ أَبَى» ذَكَرَهُ فِي الْمَدْخَلِ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «طَلَبُ الْحَلَالِ فَرِيضَةٌ» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَمْسَى وَانِيًا مِنْ طَلَبِ الْحَلَالِ بَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» وَقَوْلُهُ وَانِيًا مِنْ قَوْلِهِمْ وَنَى إذَا تَعِبَ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ الْمُؤْمِنُ قَالَ الَّذِي إذَا أَصْبَحَ سَأَلَ مِنْ أَيْنَ قُرْصُهُ وَإِذَا أَمْسَى سَأَلَ مِنْ أَيْنَ قُرْصُهُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ عَلِمَ النَّاسُ لَتَكَلَّفُوهُ قَالَ: قَدْ عَلِمُوا ذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ غَشَمُوا الْمَعِيشَةَ غَشْمًا» أَيْ تَعَسَّفُوا تَعَسُّفًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ عِمَادُ الدِّينِ وَقَوَامُهُ طِيبُ الْمَطْعَمِ فَمَنْ طَابَ كَسْبُهُ زَكَا عَمَلُهُ وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْ فِي طِيبِ مَكْسَبِهِ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ لَا تُقْبَلَ صَلَاتُهُ وَصِيَامُهُ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَجَمِيعُ عَمَلِهِ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يَقُولُ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] انْتَهَى

[تَنْبِيهَاتٌ خَرَجَ لِحَجٍّ وَاجِبٍ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ]

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: قَالَ الْغَزَالِيُّ مَنْ خَرَجَ لِحَجٍّ وَاجِبٍ بِمَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ فَلْيَجْتَهِدْ أَنْ يَكُونَ قُوتُهُ مِنْ الطَّيِّبِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَمِنْ وَقْتِ الْإِحْرَامِ إلَى التَّحَلُّلِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَجْتَهِدْ يَوْمَ عَرَفَةَ لِئَلَّا يَكُونَ قِيَامُهُ بَيْنَ يَدْيِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَدُعَاؤُهُ فِي وَقْتٍ مَطْعَمُهُ فِيهِ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ فَإِنَّا وَإِنْ جَوَّزْنَا هَذَا لِلْحَاجَةِ فَهُوَ نَوْعُ ضَرُورَةٍ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيُلْزِمْ قَلْبَهُ الْخَوْفَ وَالْغَمَّ لِمَا هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ مِنْ تُنَاوِلْ مَا لَيْسَ بِطَيِّبٍ فَعَسَاهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَيَتَجَاوَزُ عَنْهُ بِسَبَبِ حُزْنِهِ وَخَوْفِهِ وَكَرَاهَتِهِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَقَالَ قَبْلَهُ: وَجَدْت بِخَطِّ الشَّيْخِ الصَّالِحِ أَبِي إِسْحَاقَ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْأَمِينِ مِنْ تَلَامِذَةِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى ظَهْرِ شَرْحِهِ لِكِتَابِ الْمُوَطَّإِ مَا نَصُّهُ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ: قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَجَّ بِمَالٍ فِيهِ شَيْءٌ أَنْ يُنْفِقَهُ فِي سَفَرِهِ وَمَا يُرِيدُ مِنْ حَوَائِجِهِ وَلْيَتَحَرَّ أَطْيَبَ مَا يَجِدُ فَيُنْفِقُهُ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ فِيمَا يَأْكُلُ وَيَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ إحْرَامِهِ وَشِبْهُ هَذَا وَرَأَيْتُهُ يَسْتَحِبُّ هَذَا وَيُعْجِبُنِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>