للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ فِي الطِّرَازِ فِي بَابِ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ لَا تُؤَخِّرُ إلَى الْجُحْفَةِ رَجَاءَ أَنْ تَطْهُرَ، وَهُوَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَفْضَلُ إجْمَاعًا، فَإِنَّهَا تُقِيمُ فِي الْعِبَادَةِ أَيَّامًا قَبْلَ أَنْ تَصِل إلَى الْجُحْفَةِ فَلَا يَفِي غُسْلُهَا بِفَضْلِ تَقْدِمَةِ إحْرَامِهَا مِنْ مِيقَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. (قُلْتُ:) ، وَفِي قَوْلِهِ: لَا يَفِي غُسْلُهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَغْتَسِلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَفِي رُكُوعُهَا؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ هُوَ الَّذِي يَفُوتُهَا فِي تَعْجِيلِ الْإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَوَقَعَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَبْلَ هَذَا، وَنَصُّهُ: إنْ كَانَتْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ مِنْ أَهْلِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَمْكَنَهَا الْمُقَامُ فِي أَهْلِهَا حَتَّى تَطْهُرَ فَاسْتَحْسَنَ الشَّافِعِيُّ أَنْ لَا تُعَجِّلَ بِالسَّفَرِ إنْ لَمْ تَدْعُهَا إلَيْهِ ضَرُورَةٌ، وَتُؤَخِّرَ حَتَّى تَطْهُرَ فَتَغْتَسِلَ وَتَرْكَعَ وَتُحْرِمَ عَلَى أَكْمَلِ حَالِهَا، وَقَالَ مَالِكٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: تَغْتَسِلُ، وَلَا تُؤَخِّرُ لِانْتِظَارِ الطُّهْرِ، وَهُوَ بَيِّنٌ، فَإِنَّهَا إذَا أَحْرَمَتْ مِنْ الْآنَ دَخَلَتْ فِي الْعِبَادَةِ، وَاَلَّذِي يَفُوتُهَا مِنْ الْفَضِيلَةِ بِالْحِرْمَانِ فَوْقَ مَا يَفُوتُهَا مِنْ فَضِيلَةِ الْغُسْلِ بَعْدَ أَيَّامٍ وَزَمَانٍ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُنَنِ الْإِحْرَامِ، وَذَكَرَهُ فِي الشَّامِلِ أَيْضًا، وَفِي كَلَامِ سَنَدٍ الْأَخِيرِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ: التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ إذَا كَانَتَا مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لَا يُرَخَّصُ لَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ فِي تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ رَجَاءَ أَنْ تَطْهُرَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَادِرِ وَنَصُّهُ: وَلَا تُؤَخِّرُ الْحَائِضُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إلَى الْجُحْفَةِ رَجَاءَ أَنْ تَطْهُرَ انْتَهَى.

فَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَوْ مِمَّنْ يُسْتَحَبُّ لَهَا، وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ كَلَامِ سَنَدٍ الْأَوَّلِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَرْعٌ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحَلِيفَة]

(فَرْعٌ) وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ غَيْرِ الْحَائِضِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ يَرْكَبَ ثُمَّ يُهِلَّ، وَالْحَائِضُ تُحْرِمُ مِنْ فِنَاءِ مَسْجِدِهَا قَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ: وَيُجْبَرُ الْكَرِيُّ أَنْ يُنِيخَ بِالْمُكْتَرِي بِبَابِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يُصَلُّوا ثُمَّ يَرْكَبُونَ فَيُهِلُّونَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: اذْهَبُوا فَصَلُّوا ثُمَّ تَأْتُونَ إلَيَّ فَأَحْمِلُكُمْ، قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَتُحْرِمُ الْحَائِضُ مِنْ رَحْلِهَا إنْ كَانَتْ بِالْجُحْفَةِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ هُنَيْهَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ بِالشَّجَرَةِ يُرِيدُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَمِنْ فِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَلِأَنَّهُ خَلَلٌ وَذَلِكَ: أَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ مَوْضِعٌ يُقْصَدُ لِرُكُوعِ الْإِحْرَامِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ عَدَاهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَوَّلُ الْمِيقَاتِ انْتَهَى.

وَمَسْأَلَةُ الْكَرِيِّ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا: وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُرِفَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْكَرِيُّ انْتَهَى.

(فَرْعٌ) : اُخْتُلِفَ فِي الْمَدَنِيِّ الْمَرِيضِ هَلْ يُرَخَّصُ لَهُ فِي تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُمَا لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَقَالَ مَرَّةً: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ لِمَا يَرْجُوهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلْيُحْرِمْ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ افْتَدَى، وَقَالَ مَرَّةً: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى الْجُحْفَةِ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَاللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْأَوَّلُ: أَقْيَسُ، وَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتِهِ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مَخِيطٍ أَوْ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فَعَلَ وَافْتَدَى انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الطِّرَازِ وَالْأَوَّلُ: أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُبِيحُ مُجَاوَزَةَ الْمِيقَاتِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ مِيقَاتٌ يَجُوزُ لِبَعْضِ النُّسَّاكِ أَنْ يَتَجَاوَزَهُ فَكَانَتْ الصَّرُورَةُ وَجْهًا فِي جَوَازِ مُجَاوَزَتِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ الْأَوَّلُ: انْتَهَى.

، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ عَنْ مَالِكٍ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَوَّلُ: أَقْيَسُ ابْن بَزِيزَةَ وَالْمَشْهُورُ: الثَّانِي لِلصَّرُورَةِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُؤَخِّرُ إلَى مَكَّةَ وَرُبَّ مَرِيضٍ أَرَى لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ الْجُحْفَةَ انْتَهَى.

، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي تَأْخِيرِ الْمَدَنِيِّ إحْرَامَهُ لِلْجُحْفَةِ لِمَرَضٍ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَعَ إحْدَى رِوَايَتَيْ مُحَمَّدٍ وَنَقَلَ ابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>