خَادِمٍ لِضَعْفِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَالْأَبُ يَقْوَى عَلَى إخْدَامِهِمْ، وَلِابْنِ وَهْبٍ لَا خِدْمَةَ عَلَيْهِ، بِهِ قَضَى أَبُو بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ، وَأَرَى أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْخِدْمَةِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْإِسْكَانِ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ وَأَرَى أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْخِدْمَةِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ اللَّخْمِيّ رَأَى أَنْ يُفَصِّلَ فِي الْخِدْمَةِ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي السُّكْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَلَا شَيْءَ لِحَاضِنٍ لِأَجْلِهَا)
ش: وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَادُ يَتَامَى كَانَ لِلْأُمِّ أَجْرُ الْحَضَانَةِ إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً وَالْأَوْلَادُ مَيَاسِيرُ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِمْ وَلَوْ لَمْ تَحْضُنْهُمْ، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً فَقَالَ مَالِكٌ لَا نَفَقَةَ لَهَا.
وَمَرَّةً قَالَ: لَهَا النَّفَقَةُ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ وَفَاةِ الْأَبِ، وَقَالَ أَيْضًا: تُنْفِقُ بِقَدْرِ حَضَانَتِهَا إذَا كَانَتْ لَوْ تَرَكَتْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ حَاضِنٍ، فَجَعَلَ لَهَا فِي هَذَا الْقَوْلِ الْآخَرِ دُونَ النَّفَقَةِ، وَأَرَى إنْ هِيَ تَأَيَّمَتْ لِأَجْلِهِمْ وَكَانَتْ هِيَ الْحَاضِنَةَ وَالْقَائِمَةَ بِأَمْرِهِمْ أَنْ يَكُونَ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْهُمْ وَتَزَوَّجَتْ أَتَى مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَكَانَ مِنْ النَّظَرِ لِلْوَلَدِ كَوْنُهُمْ فِي نَظَرِهَا وَخِدْمَتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَأَيَّمَتْ لِأَجْلِهِمْ أَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا يَتَزَوَّجُ كَانَ لَهَا الْأُجْرَةُ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ نَفَقَتِهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَنْ يَخْدُمُهُمْ أَوْ اسْتَأْجَرَتْ مِنْ يَقُومُ بِخِدْمَتِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ نَاظِرَةٌ فِيمَا يَصْلُحُ لِلْوَلَدِ فَقَطْ لَمْ أَرَ لَهَا شَيْئًا، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْبُيُوعِ]
(كِتَابُ الْبُيُوعِ) هَذَا أَوَّلُ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ طَرِيقَةَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ النِّكَاحَ وَتَوَابِعَهُ فِي الرُّبْعِ الثَّانِي وَالْبَيْعَ وَتَوَابِعَهُ فِي الرُّبْعِ الثَّالِثِ، وَالْمَعْنَى: هَذَا بَابٌ يُذْكَرُ فِيهِ الْبَيْعُ وَأَحْكَامُهُ. وَبَابُ الْبَيْعِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إذْ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهِ، وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ: يَكْفِي رُبْعُ الْعِبَادَاتِ لَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ النِّكَاحِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْقَبَسِ عَنْ الْقَاضِي الزَّنْجَانِيِّ أَنَّ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ عَقْدَانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا قِوَامُ الْعَالَمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْغِذَاءِ وَمُفْتَقِرًا إلَى النِّسَاءِ وَخَلَقَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى يَتَصَرَّفُ كَيْفَ شَاءَ بِاخْتِيَارِهِ إلَى آخِرِهِ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ثُمَّ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الْعَمَلُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ وَيَحْتَرِزُ مِنْ إهْمَالِ ذَلِكَ فَيَتَوَلَّى أَمْرَ شِرَائِهِ وَبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ بِمُشَاوَرَتِهِ، وَلَا يَتَّكِلُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ أَوْ يَعْرِفُهَا وَيَتَسَاهَلُ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ وَعُمُومِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ.
قَالَ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَضْلِ خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي السُّوقِ: يَنْبَغِي لَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا اُضْطُرَّ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي السُّوقِ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ؛ فَإِنْ فَعَلَ أَتَى بِالسُّنَّةِ عَلَى وَجْهِهَا وَبَرِئَ - مِنْ الْكِبْرِ،.
وَإِنْ عَاقَهُ عَائِقٌ اسْتَنَابَ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالْأَحْكَامِ فِي ذَلِكَ وَلْيَحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ، فَتَجِدُ بَعْضَهُمْ يَبْحَثُ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي الدَّرْسِ وَيَسْتَدِلُّ وَيُجِيزُ وَيَمْنَعُ وَيُكَرِّهُ، فَإِذَا قَامَ أَرْسَلَ إلَى السُّوقِ مَنْ يَقْضِي لَهُ الْحَاجَةَ صَبِيًّا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَفِي السُّوقِ مَا قَدْ عَلِمَ مِنْ جَهْلِ أَكْثَرِ الْبَيَّاعِينَ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَمِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا، انْتَهَى. وَالْبَيْعُ لُغَةً: مَصْدَرُ بَاعَ الشَّيْءَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ أَوْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: ٢٠] أَيْ بَاعُوهُ، وَقَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٠٧] .
وَفِي الْحَدِيثِ «لَا يَبِعْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» أَيْ لَا يَشْتَرِ عَلَى شِرَائِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الْأَضْدَادِ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute