وَلَا يَكْفِي حَيْثُ يُعَارِضُ أَصْلًا، وَهُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ يُعَارِضُ أَصْلًا، وَهُوَ دَرْءُ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ انْتَهَى. وَإِلَى هَذَا الِاسْتِشْكَالِ، وَالْجَوَابِ أَشَارَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ بِأَنَّهُ قَالَ جَزَمَ أَوَّلًا بِجَعْلِهِمَا بَطْنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ يُسْأَلُ النِّسَاءُ، وَإِنَّمَا قَالَ يُسْأَلُ النِّسَاءُ، وَلَمْ يَجْزِمْ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا لِأَجْلِ حَدِّ الزَّوْجِ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
انْتَهَى (تَنْبِيهٌ) هَذَا الَّذِي فَرَضْنَاهُ فِي تَقْرِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ أَيْضًا هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْأُمِّ، وَنَصُّهُ قُلْت فَإِنْ، وَضَعَتْ الثَّانِيَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَتَجْعَلُهُ بَطْنًا وَاحِدًا قَالَ بَلْ هُمَا بَطْنَانِ قُلْتُ فَإِنْ قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْ الْوَلَدَ الْأَوَّلَ قَالَ يُلَاعِنُهَا، وَيَنْفِي الثَّانِيَ قُلْت فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُجَامِعْهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْ الْوَلَدَ الْأَوَّلَ، وَلَكِنَّ هَذَا الثَّانِيَ ابْنِي قَالَ: يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ، وَيُسْأَلُ النِّسَاءُ فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ يَتَأَخَّرُ هَكَذَا لَمْ أَرَ أَنْ يُجْلَدَ، وَإِنْ قُلْنَ لَا يَتَأَخَّرُ إلَى مِثْلِ هَذَا جَلَدْتُهُ الْحَدَّ.
وَقَدْ سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ يَذْكُرُ أَنَّ الْحَمْلَ يَكُونُ وَاحِدًا، وَيَكُونُ بَيْنَ وَضْعِهِمَا الْأَشْهُرُ انْتَهَى وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي اخْتِصَارِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ: وَلَوْ أَقَرَّ بِالثَّانِي مُحَمَّدٌ وَبِالْأَوَّلِ، وَقَالَ: لَمْ أَطَأْهَا بَعْدَ الْأَوَّلِ لَحِقَ الثَّانِي، وَيُسْأَلُ النِّسَاءُ إلَخْ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ فَقَالَ: وَإِنْ أَقَرَّ بِهِمَا جَمِيعًا، وَقَالَ: لَمْ أُجَامِعْهَا بَعْدَ مَا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ يُسْأَلُ النِّسَاءُ إلَى آخِرِهِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي، وَجْهِ الِاسْتِشْكَالِ، وَفِي جَوَابِهِ هُوَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَمَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِالثَّانِي بَعْدَ أَنْ نَفَى الْأَوَّلَ، وَلَاعَنَ فِيهِ، وَقَرَّرَ الْإِشْكَالَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ النِّسَاءُ يَتَأَخَّرُ كَانَ كَمَا لَوْ وُلِدَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَقَدْ قَالَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ إنْ أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا، وَنَفَى الْآخَرَ حُدَّ، وَلَحِقَا بِهِ فَكَذَا يَجِبُ الْحُكْمُ فِي إشْرَاكِهِمَا، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَكَذَا الشَّارِحُ زَادَ فِي التَّوْضِيحِ، وَكَأَنَّهُ إنَّمَا أَسْقَطَ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْقَطْعُ فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْحَدَّ، ثُمَّ قَالَ: وَيَرُدُّ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَيْضًا سُقُوطُ الْحَدِّ إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُنَّ لَا يَحْصُلُ الْقَطْعُ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَرَضَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ إذَا نَفَى الْأَوَّلَ وَلَاعَنَ فِيهِ، وَأَقَرَّ بِالثَّانِي، وَقَالَ: لَمْ أَطَأْ بَعْدَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا يُسْأَلُ النِّسَاءُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ قَدْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ فَيُحَدُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَاب الْعِدَّةِ]
ص (بَابٌ) (تَعْتَدُّ حُرَّةٌ)
ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: دَلِيلُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ عِدَّةٌ، وَاسْتِبْرَاءُ الْعِدَّةِ مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ لِفَسْخِهِ أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ فَيَدْخُلُ مُدَّةُ مَنْعِ مَنْ طَلَّقَ رَابِعَةً نِكَاحَ غَيْرِهَا إنْ قِيلَ هُوَ لَهُ عِدَّةٌ، وَإِنْ أُرِيدَ إخْرَاجُهُ قِيلَ مُدَّةُ مَنْعِ الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ إلَى آخِرِهِ، وَفِي مَسَائِلِ اسْتِبْرَائِهَا إطْلَاقُ لَفْظِهِ عَلَيْهَا مَجَازًا، وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ مُدَّةَ مَنْعِهِ لِلْفَسْخِ عِدَّةٌ، وَقَوْلُهَا إنْ عَلِمَ بَعْدَ، وَفَاتِهِ فَسَادَ نِكَاحِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُقِرُّ بِحَالٍ فَلَا إحْدَادَ عَلَيْهَا، وَلَا عِدَّةَ، وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ اسْتِبْرَاءً مَعْنَاهُ لَا عِدَّةَ وَفَاةٍ، وَأُطْلِقَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى عِدَّةِ مُدَّةِ الْفَسْخِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ انْتَهَى كَلَامُهُ.
(قُلْت) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي حَدَّهُ لِلْعِدَّةِ دُورٌ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ مُدَّةِ مَنْعِ النِّكَاحِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مُعْتَدَّةً إذَا تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ كَوْنِهَا مُعْتَدَّةً عَلَى مَعْرِفَةِ كَوْنِهَا مَمْنُوعَةً مِنْ النِّكَاحِ فَقَدْ جَاءَ الدَّوْرُ فَتَأَمَّلْهُ فَالْأَوْلَى أَنْ تُعَرَّفَ الْعِدَّةُ بِأَنَّهَا الْمُدَّةُ الَّتِي جُعِلَتْ دَلِيلًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِفَسْخِ النِّكَاحِ أَوْ لِمَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي حَدِّ الِاسْتِبْرَاءِ: أَنَّهُ مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِرَفْعِ عِصْمَةٍ أَوْ طَلَاقٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَأَمَّا تَسْمِيَةُ مُدَّةِ مَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ النِّكَاحِ إذَا طَلَّقَ الرَّابِعَةَ أَوْ طَلَّقَ أُخْتَ زَوْجِهِ أَوْ مَنْ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عِدَّةً فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute