للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحِمَى بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُمْنَعُ رَعْيُهُ لِيَتَوَفَّرَ فِيهِ الْكَلَأُ فَتَرْعَاهُ مَوَاشٍ مَخْصُوصَةٌ وَيُمْنَعُ غَيْرُهَا مِنْ رَعْيِهِ وَالْكَلَأُ بِالْهَمْزِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ هُوَ الْمَرْعَى - رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا - وَالْخَلَا بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ النَّبَاتُ الرَّطْبُ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَضَبَطَهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَالْعُذْرِيُّ بِالْمَدِّ وَهُوَ خَطَأٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَمَنْ مَدَّهُ فَقَدْ أَخْطَأَ.

وَالْحَشِيشُ هُوَ الْعُشْبُ الْيَابِسُ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْقَامُوسِ أَنَّ الْحِمَى يَجُوزُ فِيهِ الْمَدُّ وَلَمْ يَحْكِ فِي الْمُشَارَكِ فِيهِ إلَّا الْقَصْرَ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فَالْحِمَى بِمَعْنَى الْمَحْمِيِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُبَاحِ وَتَثْنِيَتُهُ حِمَيَانِ وَحَكَى الْكِسَائِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ فِي تَثْنِيَتِهِ حِمَوَانِ بِالْوَاوِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَأْتِي وَأَصْلُ الْحِمَى عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ الرَّئِيسَ مِنْهُمْ كَانَ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مُخَصَّبًا اسْتَعْوَى كَلْبًا عَلَى مَكَان عَالٍ فَحَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ حَمَاهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَلَا يَرْعَى فِيهِ غَيْرُهُ وَيَرْعَى هُوَ مَعَ غَيْرِهِ فِيمَا سِوَاهُ وَأَمَّا الْحِمَى الشَّرْعِيُّ فَهُوَ أَنْ يَحْمِيَ الْإِمَامُ مَوْضِعًا لَا يَقَعُ بِهِ التَّضْيِيقُ عَلَى النَّاسِ لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى ذَلِكَ إمَّا لِلْخَيْلِ الَّتِي يَحْمِلُ عَلَيْهَا النَّاسَ لِلْغَزْوِ أَوْ لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ قَالَهُ الْبَاجِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا فَإِنَّهُ ذَكَرَ لِلْحِمَى شُرُوطًا أَرْبَعَةً الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْحَامِي هُوَ الْإِمَامُ يُرِيدُ أَوْ نَائِبُهُ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ حِمَى إمَامٍ فَلَيْسَ لِآحَادِ النَّاسِ أَنْ يَحْمِيَ وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحِمَى مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَيْ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ إمَّا لِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ وَالْإِبِلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا لِلْغَزْوِ أَوْ لِمَاشِيَةِ الصَّدَقَةِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ لِلضُّعَفَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِتَرْعَاهُ مَوَاشِيهِمْ وَيَمْنَعُ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءَ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَمْنَعَ مِنْهُ أَهْلَ الذِّمَّةِ وَلَا يَجُوزُ الْعَكْسُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ.

(قُلْت) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا جَارٍ عَلَى مَذْهَبِنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ الْآتِي وَقَوْلُهُ أَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَالْغُنَيْمَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِكَغَزْوٍ فَقَوْله لِكَغَزْوٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الشَّرْطِ الثَّانِي وَأَتَى بِالْكَافِ فِي قَوْلِهِ لِكَغَزْوٍ لِيُدْخِلَ مَاشِيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ بَعْدَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْنِي أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ قَالُوا وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّاءُ وَلَوْ وَقَعَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَا كَانَ مَصْلَحَةً لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَلِيلًا لَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ بَلْ يَكُونُ فَاضِلًا عَنْ مَنَافِعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ قَلَّ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى مَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ سَحْنُونٍ الْآتِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحِمَى كَثِيرًا يَضُرُّ بِالنَّاسِ وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ. الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا عِمَارَةَ فِيهَا بِغَرْسٍ وَلَا بِنَاءٍ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْ بَلَدٍ عَفَا؛ أَيْ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ أَثَرُ بِنَاءٍ وَلَا غَرْسٍ وَالْمُرَادُ بِالْبَلَدِ الْأَرْضُ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهَا مُذَكَّرًا اعْتِبَارًا بِلَفْظِ الْبَلَدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحِمَى فِي الْمَوَاضِعِ الْمَعْمُورَةِ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ إلَى مَا قَالَهُ سَحْنُونٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ سَحْنُونٌ الْأَحْمِيَةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي بِلَادِ الْأَعْرَابِ الْعَفَاءُ الَّتِي لَا عِمَارَةَ فِيهَا بِغَرْسٍ وَلَا بِنَاءٍ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْأَحْمِيَةُ فِيهَا فِي الْأَطْرَافِ حَتَّى لَا تُضَيِّقَ عَلَى سَاكِنٍ وَكَذَلِكَ الْأَوْدِيَةُ الْعَفَاءُ الَّتِي لَا مَسَاكِنَ بِهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ مَنَافِعِ أَهْلِهَا مِنْ الْمَسَارِحِ وَالْمَرْعَى انْتَهَى.

وَجَعَلَ الشَّارِحُ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ قَلَّ مِنْ بَلَدٍ عَفَا؛ شَرْطًا وَاحِدًا وَجَعَلَ قَوْلَهُ لِكَغَزْوٍ؛ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا وَهُوَ نَحْوُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ شَرْطًا وَاحِدًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَتَكُونُ الشُّرُوطُ ثَلَاثَةً.

[تَنْبِيهٌ لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ]

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) الْأَصْلُ فِي الْحِمَى مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُرَادُ بِالشِّرْبِ الْحُكْمُ فِي قِسْمَةِ الْمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>