للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَجَازَ تَأْخِيرَ السِّلْعَةِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ وُجُوبَ الْمُنَاجَزَةِ فِي سِلْعَةِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ كَنَقْدِهِ انْتَهَى.

(قُلْت) : وَقَدْ نَصَّ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ السِّلْعَةِ الَّتِي مَعَ الصَّرْفِ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ.

[الفرع الثَّانِي وَقَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ ثُمَّ وَجَدَ بِالسِّلْعَةِ أَوْ بِالدِّينَارِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ عَيْبًا وَقَامَ بِهِ وَاجِدُهُ]

(الثَّانِي) إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ عَلَى الْوَجْهِ الْجَائِزِ، ثُمَّ وَجَدَ بِالسِّلْعَةِ أَوْ بِالدِّينَارِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ عَيْبًا وَقَامَ بِهِ وَاجِدُهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: اُنْتُقِضَ الْجَمِيعُ قَالَ سَنَدٌ وَاخْتَلَفَ عَنْهُ إذَا كَانَ الصَّرْفُ تَابِعَهَا، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ فِيمَنْ بَاعَ ثَوْبًا بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ فَتَنَاقَدَا، ثُمَّ وَجَدَ بِالدِّرْهَمِ عَيْبًا أَنَّ لَهُ بَدَلَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ الصَّرْفِ، قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: يُرِيدُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ الْبَيْعَ وَكَانَ الصَّرْفُ تَبَعًا كَانَ حُكْمُهُ فِي الْبَدَلِ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ يُنْتَقَضُ الْجَمِيعُ، وَهَذَا هُوَ قِيَاسُ حُكْمِ الصَّرْفِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ.

[الفرع الثَّالِثُ لَوْ انْعَقَدَتْ الصَّفْقَةُ بَيْنَهُمَا بَيْعًا مَحْضًا ثُمَّ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ الصَّرْفُ]

(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ فَلَوْ انْعَقَدَتْ الصَّفْقَةُ بَيْنَهُمَا بَيْعًا مَحْضًا، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ الصَّرْفُ كَمَا لَوْ ابْتَاعَ ثَوْبًا بِنِصْفِ دِينَارٍ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ دَفَعَ دِينَارًا أَوْ تَعَجَّلَ الثَّوْبَ وَنِصْفَ دِينَارٍ دَرَاهِمَ، ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ عَيْبًا، قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُنْتَقَضُ الْجَمِيعُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُنْتَقَضُ إلَّا صَرْفُ الدِّرْهَمِ، وَذَكَرَ الْقَبَّابُ فِي آخِرِ رَسْمِ الشِّرَاءِ بِبَعْضِ الْمُعَيَّنِ أَنَّ ابْنَ الْمَوَّازِ قَيَّدَ كَلَامَ مَالِكٍ بِمَا ذَكَرَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى أَنَّهُ خِلَافٌ لَهُ، وَأَنَّهُ اسْتَبْعَدَ فَسْخَ الْعَقْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا يَبْعُدُ إبْقَاءُ جَوَابِ الْإِمَامِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَآهُ مِنْ بَابِ التُّهَمِ عَلَى الْقَصْدِ إلَى التَّأْخِيرِ، وَجَزَمَ الْقَبَّابُ فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ بِيَسِيرٍ أَنَّ مَا كَانَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ خُصُوصًا إذَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الفرع الرَّابِعُ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ]

(الرَّابِعُ) إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَقِيلَ هُوَ كَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ يُفْسَخُ وَلَوْ مَعَ الْفَوَاتِ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ الْبِيَاعَات الْمَكْرُوهَةِ فَيُفْسَخُ مَعَ الْقِيَامِ لَا مَعَ الْفَوَاتِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ مُصَدِّرًا بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ بِقِيلَ، وَفُرُوعُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَا مِنْهَا الضَّرُورِيَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَسِلْعَةٍ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ) ش هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ فُرُوعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ جَوَّزُوا مَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ، وَالصَّرْفِ وَذَلِكَ قَالَ: إنَّهُمْ أَجَازُوا هُنَا أَنْ تَتَقَدَّمَ السِّلْعَةُ، وَيَتَأَخَّرَ النَّقْدَانِ، كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ تَأْجِيلِهِمَا فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ قُلْت لِمَ جَوَّزُوا هُنَا مَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ فِي مَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ سُؤَالٌ حَسَنٌ وَلَعَلَّهُمْ رَاعُوا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، وَالضَّرُورَةُ تَدْعُو إلَى الْيَسِيرِ وَالْمُتَبَايِعَانِ إنَّمَا بَنَيَا كَلَامَهُمَا أَوَّلًا عَلَى الْبَيْعِ فَكَانَ الصَّرْفُ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فَإِنَّهُمَا لَمَّا أَتَيَا أَوَّلًا بِالْبَيْعِ وَالصَّرْفِ عُلِمَ أَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ: إلَّا دِرْهَمَيْنِ بَيَانٌ لِلْيَسِيرِ الَّذِي اُغْتُفِرَ مَعَهُ تَأْجِيلُ النَّقْدَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلْو كَانَ الْمُسْتَثْنَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا مَعَ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ، قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، بَلْ قَالَ فِيهَا إنَّهُ اسْتَثْقَلَ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ، وَنَصُّهَا: " وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا إنْ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ نَقْدًا فَإِنْ تَأَخَّرَ الدِّينَارُ أَوْ الدِّرْهَمُ أَوْ السِّلْعَةُ وَتَنَاقَدَا الْبَاقِيَ لَمْ يَجُزْ "، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ نَقْدًا وَالسِّلْعَةُ مُؤَخَّرَةً فَجَائِزٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ إلَى أَجَلٍ وَاحِدٍ وَعُجِّلَتْ السِّلْعَةُ فَجَائِزٌ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهَا بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ كَانَتْ بِدِينَارٍ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَمْ أُحِبَّ ذَلِكَ إلَّا نَقْدًا، وَجَعَلَ رَبِيعَةُ الثَّلَاثَةَ كَالدِّرْهَمَيْنِ وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ إلَّا زَحْفًا فَأَمَّا الدِّينَارُ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَوْ عَشَرَةً فَيَجُوزُ هَذَا نَقْدًا وَلَا يَنْبَغِي التَّأْخِيرُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ لِلْغَرَرِ فِيمَا يَفْتَرِقُ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>