للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْضُوعٌ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْمُكَفِّرِ انْتَهَى. إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: بِإِلْزَامِ الرَّجُلِ ذَلِكَ نَفْسَهُ وَتَبْتِيلِهِ عِتْقَ مَمْلُوكِهِ سَبَبًا وَاحِدًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَوْ بِمُكَاتَبَةِ الْعَبْدِ. إلَخْ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ عَشَرَةُ أَسْبَابٍ فَقَطْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ فِي اللُّبَابِ عَقِبَ ذِكْرِهِ الْأَسْبَابَ الْمُتَقَدِّمَةَ: وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا كَثُرَتْ أَسْبَابُهُ كَانَ إلَى الْوُقُوعِ أَقْرَبُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ وُعِدَ بِالْمَغْفِرَةِ عَلَى أَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ تَكَادُ تَخْرُجُ عَنْ الْحَصْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ الْمَاضِيَةَ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ يُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ يُكَفِّرْنَ مَا بَيْنَهُنَّ وَإِذَا تَوَضَّأَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ بَيْنِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ» .

وَقَدْ قُلْت لِشَيْخِنَا شِهَابِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ فَأَيُّ شَيْءٍ يُكَفِّرُ يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَقَالَ لِي: ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُرِيدٌ لِلْمَغْفِرَةِ لِعِبَادِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا أَخْطَأَهُ سَبَبٌ لَا يُخْطِئُهُ غَيْرُهُ، وَمَا كَثُرَتْ أَسْبَابُهُ كَانَ إلَى الْوُقُوعِ أَقْرَبُ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ انْتَهَى. وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ، قَالَ فِي اللُّبَابِ: هِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى شَرَفِ الْآدَمِيِّ وَتَكْرِمَتِهِ، فَإِنَّ الرِّقَّ إذْلَالٌ لَهُ، وَالتَّرْغِيبُ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَتَعَاطِي أَسْبَابَ النَّجَاةِ مِنْ النَّارِ انْتَهَى.

[فَرْعٌ عِتْقِ الْإِمَاء وَالْعَبِيدِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ]

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي وَثَائِقِهِ: سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي عِتْقِ الْإِمَاء وَالْعَبِيدِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ عِتْقَ الْأَكْثَرِ ثَمَنًا مِنْهُمْ أَعْلَى فِي الْأَجْرِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى «؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: أَعْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا» .

وَلَمْ يَخُصَّ ذَكَرًا مِنْ أُنْثَى، وَأَمَّا إذَا اسْتَوَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، فَعِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ كَمَا أَنَّ عِتْقَ الْأَفْضَلِ فِي الدِّينِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ وَالْأَمَتَيْنِ أَفْضَلُ، وَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ عِتْقِ الْكَافِرِ أَوْ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ الْكَافِرُ أَكْثَرَ ثَمَنًا، فَقِيلَ: إنَّ عِتْقَ الْأَكْثَرِ ثَمَنًا أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: إنَّ عِتْقَ الْمُسْلِمِ أَفْضَلُ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا مَعْنَاهُ مَعَ اسْتِوَاءِ الرِّقَابِ وَكَذَلِكَ الْأَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْكُفَّارِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ ثَمَنًا، قَالَ: وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْأَثْمَانِ فَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ: أَنَّ عِتْقَ الْأُنْثَى مِنْهُمْ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا يُحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهَا وَلَا مَنْفَعَةَ فِي عِتْقِ الْكَافِرِ الذَّكَرِ اهـ.

[بَاب مِنْ يَصِحّ مِنْهُ الْإِعْتَاق]

ص (بَابٌ) (إنَّمَا يَصِحُّ إعْتَاقُ مُكَلَّفٍ)

ش: أَخْرَجَ بِهِ الصَّبِيَّ فَلَا يَصِحُّ عِتْقُ الصَّبِيِّ، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِيَمِينٍ فَحَنِثَ فِيهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَغَيْرِهَا.

وَقَالَ فِي الْعِتْقِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الْمَعْتُوهِ إذَا كَانَ مُطْبِقًا وَلَا الصَّبِيِّ، وَإِنْ قَالَ صَبِيٌّ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ إذَا احْتَلَمْت فَاحْتَلَمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمَجْنُونِ قَالَ فِي عِتْقِهَا الثَّانِي: وَمَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَجُنَّ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَالِ جُنُونِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَصْبَغُ: وَمَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا إلَى أَجَلِ كَذَا، ثُمَّ جُنَّ فَمَضَى الْأَجَلُ، وَهُوَ مَجْنُونٌ فَإِنَّهُ حَانِثٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مَضَى الْأَجَلُ، وَهُوَ فِي حَالٍ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فِيهِ انْتَهَى.

وَيَدْخُلُ السَّكْرَانُ قَالَ فِي عِتْقِهَا الثَّانِي: وَعِتْقُ السَّكْرَانِ وَتَدْبِيرُهُ جَائِزٌ إذَا كَانَ غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَمَّا الطَّافِحُ فَكَالْبَهِيمَةِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ. كَلَامُهُ بِالْمَعْنَى.

ص (بِلَا حَجْرٍ)

ش: هَذَا قَيْدٌ ثَانٍ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْجِيرِ فَيَخْرُجُ السَّفِيهُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ قَالَ فِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَرُشْدِهِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْآنَ وَأَسْتَحِبُّ لَهُ إمْضَاءَهُ وَلَا أُجْبِرُهُ عَلَيْهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَانَ الْوَلِيُّ رَدَّهُ أَمْ لَمْ يَرُدَّهُ؟ وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ بِيَمِينٍ فَحَنِثَ فِيهَا بَعْدَ وِلَايَةِ نَفْسِهِ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَ هَلْ لِلْوَرَثَةِ رَدُّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>