للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السُّلْطَانُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيَنْظُرُ فِي قَوْلِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا ضَمَّنَهُ هَذَا وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ كَالْأَمْتِعَةِ، انْتَهَى. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ اعْتَرَفَ الْآبِقُ لِأَحَدٍ بِالرِّقِّ كَانَ لِمَنْ اعْتَرَفَ لَهُ دُونَ مَنْ وَصَفَهُ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنْ اعْتَرَفَ لِغَائِبٍ كَتَبَ إلَيْهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ كَانَ أَحَقَّ بِهِ وَاخْتَلَفَ إذَا أَنْكَرَ الْعَبْدُ هَذَا الْمُدَّعِيَ وَلَمْ يُقِرَّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْعُبُودِيَّةِ أَوْ قَالَ: أَنَا حُرٌّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالرِّقِّ هَلْ يَكُونُ لِمَنْ ادَّعَاهُ فَإِمَّا بِالصِّفَةِ فَأَرَى أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ إذَا وَصَفَهُ صِفَةً تَخْفَى وَلَيْسَتْ ظَاهِرَةً، انْتَهَى.

(قُلْتُ) فَمَفْهُومُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ إنْ صَدَّقَهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ وَكَذَلِكَ يُدْفَعُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إذَا وَصَفَهُ وَلَمْ يُقِرَّ لِغَيْرِهِ أَوْ أَقَرَّ وَأَكْذَبَهُ الْغَيْرُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْقَضَاءِ]

(أَهْلُ الْقَضَاءِ عَدْلٌ)

ش: هَذَا الْبَابُ يُتَرْجَمُ بِكِتَابِ الْقَضَاءِ وَكِتَابِ الْأَقْضِيَةِ. وَالْأَقْضِيَةُ جَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَيُقْصَرُ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْحُكْمِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] أَيْ: حَكَمَ وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَمْرِ وَالْإِيجَابِ، قَالَ النَّوَوِيُّ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ، قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ: قَضَى هُنَا بِمَعْنَى أَمَرَ وَقَالَ غَيْرُهُ: بِمَعْنَى أَوْجَبَ وَقِيلَ وَصَّى وَبِهَا قَرَأَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْتَصَقَتْ إحْدَى الْوَاوَيْنِ بِالصَّادِ فَصَارَتْ قَافًا، انْتَهَى. وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِلْزَامِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} [سبأ: ١٤] أَيْ: حَتَّمْنَاهُ وَأَلْزَمْنَاهُ بِهِ. هَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ وَيُطْلَقُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَرَاغِ مِنْ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِمْ: قَضَيْت حَاجَتِي وَضَرَبَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ أَيْ: قَتَلَهُ كَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ وَسُمٌّ، قَاضٍ أَيْ: قَاتِلٌ، وَقَضَى نَحْبَهُ أَيْ: مَاتَ وَفَرَغَ مِنْ الدُّنْيَا، وَأَصْلُ النَّحْبِ النَّذْرُ وَاسْتُعِيرَ لِلْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ كَنَذْرٍ لَازِمٍ فِي رَقَبَةِ كُلِّ حَيَوَانٍ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَقَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ تَقُولُ قَضَيْت دَيْنِي وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: ٤] وقَوْله تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} [الحجر: ٦٦] أَيْ: أَنْهَيْنَاهُ إلَيْهِ وَأَبْلَغْنَاهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ} [يونس: ٧١] أَيْ: امْضُوا إلَيَّ، وَقَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: ١٢] وَمِنْهُ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ، وَيُقَالُ اسْتَقْضَى فُلَانٌ إذَا صُيِّرَ قَاضِيًا وَقَضَى الْأَمِيرُ قَاضِيًا كَمَا تَقُولُ أَمَرَ أَمِيرًا وَانْقَضَى الشَّيْءُ وَتَقَضَّى بِمَعْنًى، وَاقْتَضَى بِهِ دَيْنَهُ وَتَقَاضَاهُ بِمَعْنًى، انْتَهَى. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْقَضَاءُ فِي اللُّغَةِ عَلَى وُجُوهٍ مَرْجِعُهَا إلَى انْقِضَاءِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ، انْتَهَى. هَذَا مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ. وَأَمَّا مَعْنَاهُ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ: حَقِيقَةُ الْقَضَاءِ الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْقَضَاءُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ، تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا نُفُوذَ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ وَلَوْ بِتَعْدِيلٍ أَوْ تَجْرِيحٍ لَا فِي عُمُومِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيَخْرُجُ التَّحْكِيمُ وَوِلَايَةُ الشُّرْطَةِ وَأَخَوَاتُهَا وَالْإِمَامَةُ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَاضِحٌ قُصُورُهُ، انْتَهَى. (قُلْتُ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ وَلِيَ الْقَضَاءَ أَيْ: حَصَلَتْ لَهُ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِخْبَارِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: قَضَى الْقَاضِي بِكَذَا وَقَوْلِهِمْ: قَضَاءُ الْقَاضِي حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ، غَيْرَ أَنَّ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ رُشْدٍ مُسَامَحَةً مِنْ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) ذِكْرُ لَفْظِ الْإِخْبَارِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَمْرُ الْإِخْبَارِ الْمُحْتَمِلِ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْمُقَابِلِ لِلْإِنْشَاءِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَمْرُ الْقَاضِي بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ.

(الثَّانِي) أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ حُكْمُ الْحَكَمَيْنِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِي شِقَاقِ الزَّوْجَيْنِ وَحُكْمُ الْمُحَكِّمِ فِي التَّحْكِيمِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ حُكْمُ الْمُحْتَسِبِ وَالْوَالِي وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا حَكَمُوا بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>