فَإِذَا أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ، وَلَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُشْتَرَطُ إدْرَاكُ السُّجُودِ بَلْ يَكْفِي إدْرَاكُ الرُّكُوعِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» انْتَهَى.
(قُلْتُ:) يَعْنِي هَلْ الْمُرَادُ بِالرَّكْعَةِ الرَّكْعَةُ بِتَمَامِهَا، أَوْ الْمُرَادُ بِالرَّكْعَةِ الرُّكُوعُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْلَى لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَصَرَّحَ ابْنُ بَشِيرٍ بِمَشْهُورِيَّتِهِ انْتَهَى.
[تَنْبِيهَاتٌ الرَّكْعَةُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُدْرِكًا لِلْأَدَاءِ أَوْ الْوُجُوبِ فِي الْوَقْتِ]
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَهَذِهِ الرَّكْعَةُ الَّتِي يَكُونُ بِهَا مُدْرِكًا لِلْأَدَاءِ أَوْ الْوُجُوبِ فِي الْوَقْتِ هِيَ قَدْرُ مَا يُكَبِّرُ لِلْإِحْرَامِ وَيَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ قِرَاءَةً مُعْتَدِلَةً وَيَرْكَعُ وَيَرْفَعُ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَيَطْمَئِنُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ الطُّمَأْنِينَةَ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُوجِبُ أُمَّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَكْفِيهِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامُ لَهَا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قِرَاءَةً مُعْتَدِلَةً وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيُخْتَلَفُ هَلْ تُقَدَّرُ الطُّمَأْنِينَةُ أَمْ لَا عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا وَتَرَدَّدَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْجُلِّ هَلْ يُرَاعَى قَدْرُهَا فِي الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ لَهُ تَقْدِيمَهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، أَوْ لَا يُرَاعَى إذْ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا؟ خَلِيلٌ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ تُؤَخِّرَ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
(قُلْتُ) الَّذِي فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ تَرَدُّدٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ التَّرَدُّدُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي الْجُلِّ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا فَرَّعَ عَلَيْهِ لِقُوَّتِهِ وَضَعَّفَ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّرَدُّدِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي الْجُلِّ التَّرَدُّدُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فِي رَكْعَةٍ فَقَطْ فَتَأَمَّلْهُ وَسَيَأْتِي لَفْظُ اللَّخْمِيِّ وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ: وَفِي كَوْنِهَا أَيْ: الرَّكْعَةِ بِقِرَاءَتِهَا وَطُمَأْنِينَتِهَا قَوْلُ الْقَاضِي مَعَ ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَتَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهَا يُقْتَضَى، جَزْمَ اللَّخْمِيِّ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي فِي كَلَامِهِ إنَّمَا هُوَ التَّرَدُّدُ نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ وَنَصُّ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ: وَأَرَى أَنْ يُرَاعَى قَدْرُ الْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ " الْحَمْدُ " عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمُعْتَدِلَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَخْتَلِفُ هَلْ تُقَدَّرُ الطُّمَأْنِينَةُ فَمَنْ قَالَ الطُّمَأْنِينَةُ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَدَّرَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَفِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ مَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يُرَاعَى أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رُكُوعٍ، أَوْ سُجُودٍ، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ " الْحَمْدُ " عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي رَكْعَةٍ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِسُجُودِهَا دُونَ الْقِرَاءَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُقَالُ: لَهُ اقْرَأْ بِهَا فِي بَاقِي الصَّلَاةِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لِي أَنْ أُعَجِّلَهَا وَأُقَدِّمَ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى وَإِذَا أَعْجَلْتُهَا لَمْ أُدْرِكْ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِي الْوَقْتِ فَيَسْقُطُ عَنِّي الْخِطَابُ بِهَا انْتَهَى.
(الثَّانِي) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ قَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يُدْرِكُ بِهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ أَوْ وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ قَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ، وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ تَخْرِيجٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ.
(الثَّالِثُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ السُّورَةَ فِي رَكْعَةٍ خَرَجَ الْوَقْتُ أَنَّهُ يَتْرُكُ قِرَاءَةَ السُّورَةِ، وَكَذَلِكَ إنْ غَلَبَ ذَلِكَ عَلَى ظَنَّهُ وَيَبْقَى النَّظَر فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ السُّورَة فِي الرَّكْعَةِ وَقَعَ بَعْضُ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْوَقْتِ فَهَلْ يَقْرَأُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ بِرَكْعَةٍ، أَوْ يُقَالُ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ السُّورَةَ وَيَقْتَصِرَ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ بَعْضِ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْوِتْرِ أَنَّهُ يُصَلِّي فِيهِمَا الصُّبْحَ وَيَتْرُكُ الْوِتْرُ عَلَى الْمَشْهُورِ مَعَ أَنَّهُ أَوْكَدُ السُّنَنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَتْرُكُ السُّورَةَ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا فِي الْوَقْتِ، نَعَمْ إذَا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مِنْ الْوَقْتِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute