للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ: الْأَدَبُ يَتَغَلَّظُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَمَنْ عَصَى اللَّهَ فِي الْكَعْبَةِ أَخَصُّ مِمَّنْ عَصَاهُ فِي الْحَرَمِ وَمَنْ عَصَاهُ فِي الْحَرَمِ أَخَصُّ مِمَّنْ عَصَاهُ فِي مَكَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ فِي مَكَّةَ أَخَصُّ مِمَّنْ عَصَاهُ خَارِجَهَا انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ يَلْزَمُ التَّعْزِيرُ لِمَنْ سَرَقَ مَالًا قُطِعَ فِيهِ، وَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَوَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِمْنَاءِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ وَلِلْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَالْغِشِّ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْعَمَلِ بِالرِّبَا وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالتَّحْلِيلِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى نِكَاحِ السِّرِّ وَكَذَلِكَ الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيُّ إلَّا أَنْ يُعْذَرُوا بِجَهْلٍ فَيَجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ وَتَلْزَمُ الْعُقُوبَةُ عَلَى مَنْ حَمَى الظَّلَمَةَ وَذَبَّ عَنْهُمْ وَمَنْ دَفَعَ عَلَى شَخْصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَمَنْ يَحْمِي قَاطِعَ الطَّرِيقِ أَوْ سَارِقًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ يَحْمِيهِ وَيَمْنَعُهُ عَاصٍ لِلَّهِ وَتَجِبُ عُقُوبَتُهُ حَتَّى يُحْضِرَهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَيَنْزَجِرَ عَنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إحْضَارُهُ إلَى مَنْ يَظْلِمُهُ وَيَأْخُذُ مَالَهُ أَوْ يَتَجَاوَزُ فِيهِ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا فَهَذَا لَا يُحْضِرُهُ وَلَكِنْ يَتَخَلَّى عَنْهُ وَيَرْتَدِعُ عَنْ حِمَايَتِهِ وَالدَّفْعِ عَنْهُ انْتَهَى.

وَمِنْهُ وَيُؤَدَّبُ مَنْ حَلَقَ شَارِبَهُ وَمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَنْ نَكَحَ بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ وَمَنْ قَامَ بِشَكِيَّةِ بَاطِلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَدَّبُ وَأَقَلُّ ذَلِكَ الْحَبْسُ لِيَنْدَفِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَاللَّدَدِ مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَهُ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ وَالْأَحْبَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيه التَّأْدِيبَ فِي الْمَكْرُوهِ]

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ لَا أَدَبَ فِيهِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ التَّوْضِيحِ قَالَ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى تَأْدِيبِ الْحَالِفِ بِهِمَا وَلَا يَكُونُ الْأَدَبُ فِي الْمَكْرُوهِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ: وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي تَارِكِ شَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ وَالْأَدَبِ: إنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُقَبَّحَ لَهُ فِعْلُهُ وَأَنْ يُذَمَّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَبَى أَنْ يَرْجِعَ وَإِلَّا هُجِرَ مِنْ أَجْلِ مَا أَتَى بِهِ مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ انْتَهَى. وَقَدْ نَقَلَ فِي رَسْمِ الْجَنَائِزِ وَالصَّيْدِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الذَّبَائِحِ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ التَّأْدِيبَ فِي الْمَكْرُوهِ. اهـ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِشَخْصٍ أَضْجَعَ شَاةً يَذْبَحُهَا وَجَعَلَ يَحِدُّ الشَّفْرَةَ فَعَلَاهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: هَلَّا حَدَدْتهَا أَوَّلًا أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ: مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ يُؤَدَّبُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يُجَرَّحُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَارِضُهُ وَأَنَّ مَنْ وَاظَبَ عَلَى تَرْكِ الْمَسْنُونِ أَوْ عَلَى فِعْلِ الْمَكْرُوهِ فَهُوَ الَّذِي يُؤَدَّبُ وَيُجَرَّحُ وَمَنْ كَانَ مِنْهُ ذَلِكَ مَرَّةً لَمْ يُؤَدَّبْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[مَسْأَلَة التَّعْزِيرِ]

(مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْحُدُودُ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْزِيرِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ وَجَبَ كَالْحُدُودِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّ غَيْرَ الضَّرْبِ مَصْلَحَةٌ مِنْ الْمَلَامَةِ وَالْكَلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ انْتَهَى.

[مسالة الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ وَالشَّفَاعَةُ فِيهَا]

ثُمَّ قَالَ (مَسْأَلَةٌ) وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ التَّعْزِيرِ وَالشَّفَاعَةُ فِيهَا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَانْفَرَدَ بِهِ حَقُّ السَّلْطَنَةِ كَانَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مُرَاعَاةُ حُكْمِ الْأَصْلَحِ فِي الْعَفْوِ وَالتَّعْزِيرِ وَلَهُ التَّشْفِيعُ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ (لِتَشْفَعُوا وَلِتُؤْجَرُوا) : وَالشَّفَاعَةُ لِأَصْحَابِ الْحَوَائِجِ وَالرَّغَبَاتِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ مَشْرُوعَةٌ مَحْمُودَةٌ مَأْجُورٌ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا بِشَهَادَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَشَهَادَةِ كِتَابِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: ٨٥] الْآيَةَ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ مَعُونَةَ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ حَالٍ لِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فِيهَا أَجْرٌ وَفِي عُمُومِهِ الشَّفَاعَةُ لِلْمُذْنِبِينَ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا حَدَّ فِيهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ وَلَهُ قَبُولُ الشَّفَاعَةِ فِيهِ وَالْعَفْوُ إذَا رَأَى ذَلِكَ كَمَا لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ ابْتِدَاءً وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ مِنْهُ الْفَلْتَةُ وَالزَّلَّةِ وَفِي أَهْلِ السَّتْرِ وَالْعَفَافِ أَوْ مَنْ طَمِعَ بِوُقُوعِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ مِنْ الْعُقُوبَةِ أَنْ تَكُونَ لَهُ تَوْبَةٌ وَأَمَّا الْمُصِرُّونَ عَلَى فَسَادِهِمْ الْمُشْتَهِرُونَ فِي بَاطِلِهِمْ فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ لِأَمْثَالِهِمْ وَلَا تَرْكُ السُّلْطَانِ عُقُوبَتَهُمْ لِيَنْزَجِرُوا عَنْ ذَلِكَ وَلِيَرْتَدِعَ غَيْرُهُمْ بِمَا يُفْعَلُ بِهِمْ وَقَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِي الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>