انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ إنَّمَا يَكُونُ قُرْبَةً إذَا كَانَ لِمَكَّةَ يُرِيدُ إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ سَوْقَ الْبُدْنِ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّذْرِ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّقًا أَوْ غَيْرَ مُعَلَّقٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا شَكَّ أَنَّ نَاذِرَ الْهَدْيِ وَفِي مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ بَدَنَةٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَذْرًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِبَلَدٍ، أَوْ مُقَيَّدًا بِبَلَدٍ، وَالْبَلَدُ إمَّا مَكَّةَ أَوْ غَيْرُهَا، وَالْحُكْمُ فِي الثَّانِي مِنْ الْأَقْسَامِ بَيِّنٌ وَكَذَلِكَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ وَمِنًى مَحَلُّ الْهَدَايَا، وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ تَكَلَّمَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَشَارَ فِيهَا إلَى الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ: وَسَوْقُ الْبُدْنِ لِغَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ وَالْمُصَنِّفِ لَمَّا كَانَ مَذْهَبُهُ الِاخْتِصَارَ اعْتَمَدَ الْكَلَامَ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَسَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الثَّالِثِ يَسْتَلْزِمُ الْكَلَامَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَنْعَكِسُ أَعْنِي إذَا كَانَ مَنْ سَمَّى غَيْرَ مَكَّةَ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْحَرَ إلَّا بِمَكَّةَ فَأَحْرَى مَنْ لَمْ يُسَمِّ أَوْ سَمَّاهَا، وَهُوَ بَيِّنٌ، انْتَهَى. وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ يُوهِمُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ هَدْيًا لِغَيْرِ مَكَّةَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْحَرَهُ بِمَكَّةَ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نَحْرُهُ بِغَيْرِ مَكَّةَ، فَإِنْ أَرَادَ نَحْرَهُ، فَإِنَّمَا يَنْحَرُ بِمَكَّةَ
وَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ اللَّخْمِيِّ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ: عَلَيَّ لِلَّهِ أَنْ أَنْحَرَ بَدَنَةً، أَوْ قَالَ: لِلَّهِ هَدْيٌ فَلْيَنْحَرْ ذَلِكَ بِمَكَّةَ ابْنُ يُونُسَ أَوْ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا يَنْحَرُ مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَحْرُ بَدَنَةٍ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ بِمَكَّةَ.
(قُلْتُ) يُرِيدُ أَوْ بِمِنًى بِشَرْطِهِ، انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ نَحْرِهِ بِيَوْمِ النَّحْرِ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: أَوْ بِمِنًى بِشَرْطِهِ لِيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ مَا بَعْدَ يَوْمَ النَّحْرِ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ نَحْرُ الْهَدْيِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ إثْرَ كَلَامِ الشَّيْخِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ أَشْهَبَ مَنْ حَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَعَهُ هَدْيُ تَطَوُّعٍ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَذَرَهُ بِمِنًى، فَإِنْ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ قَبْلَ عَرَفَةَ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلِلَّهِ عَلَيَّ جَزُورٌ أَوْ أَنْ أَنْحَرَ جَزُورًا فَلْيَنْحَرْهَا بِمَوْضِعِهِ، وَلَوْ نَوَى مَوْضِعًا أَوْ سَمَّاهُ فَلَا يُخْرِجُهَا إلَيْهِ كَانَتْ الْجَزُورُ بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ نَذَرَهَا لِمَسَاكِينِ بَلَدِهِ، وَهُوَ بِغَيْرِهَا فَلْيَنْحَرْهَا بِمَوْضِعِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ مَنْ عِنْدَهُ، وَسَوْقُ الْبُدْنِ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَمُقَابِلُهُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ يُونُسَ إثْرَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمَ، قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَهُوَ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِمِصْرَ مِائَةَ رَكْعَةٍ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهَا إنَّهُ لَا يُصَلِّي إلَّا بِمَوْضِعِهِ، قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً إنَّهُ يَنْحَرُهَا حَيْثُ نَوَى، وَقَالَهُ أَشْهَبُ، قَالَ أَشْهَبُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ نَحَرَهَا بِمَوْضِعِهَا، انْتَهَى. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامَ أَشْهَبَ وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ، قَالَ: وَلَوْ نَوَى هَدْيَهُ لِذَلِكَ الْبَلَدِ كَانَ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفِيَ بِهِ بِمَكَّةَ، انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ الْجَزُورَ بِمَكَّةَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَهَا بِهَا، وَلَيْسَ بِهَدْيٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ بِلَفْظِ نَحَرَهُ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ (قُلْتُ) ظَاهِرُهُ لَهُ كَذَلِكَ فَيَصِيرُ هَدْيًا كَفِعْلِ ذَلِكَ فِي نُسُكٍ، انْتَهَى. يُعْنَى بِالنُّسُكِ الْفِدْيَةَ.
(الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْحَرَ شَيْئًا وَيُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ لَحْمًا يَكُونُ قَدْرُهُ قَدْرَ لَحْمِ الْجَزُورِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِي النَّحْرِ، انْتَهَى. وَالْبَعْضُ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ الْبَاجِيُّ وَعَنْهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَنَصَّهُ الْبَاجِيُّ وَعِنْدِي أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا هُوَ فِي إطْعَامِ لَحْمِهَا لَا فِي إرَاقَةِ دَمِهَا، فَمَنْ نَذَرَ نَحْرَ جَزُورٍ بِغَيْرِ مَكَّةَ فَاشْتَرَاهُ مَنْحُورًا وَتَصَدَّقَ بِهِ أَجْزَأَهُ، انْتَهَى.
(الثَّالِثُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْبَدَنَةُ عِنْدَهُمْ مَا يُذْبَحُ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ، وَالْجَزُورُ النَّاقَةُ الْمُعَدَّةُ لِلنَّحْرِ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ، انْتَهَى.
[تَنْبِيهَاتٌ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِحُرٍّ أَنَا أُهْدِيكَ وَقَوْلِهِ لِعَبْدِ غَيْرِهِ هُوَ هَدْيٌ]
ص (أَوْ مَالِ غَيْرُ إنْ لَمْ يُرِدْ أَنَّ مِلْكَهُ)
ش: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute