الْمَقَامِ، زَادَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَلَا غَيْرَهَا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْحَطِيمُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ إلَى الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ عَلَيْهِ يَتَحَطَّمُ النَّاسُ أَبُو مُحَمَّدٍ، فَعَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ حَبِيبٍ ذَلِكَ كُلُّهُ حَطِيمُ الْجِدَارِ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَالْفَضَاءُ الَّذِي بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ الْآنَ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عِيَاضٍ فِي الْمَشَارِقِ: وَالْحَطْمُ الْهَلَاكُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَلَاكِ الْجَبَابِرَةِ هُنَاكَ بِالدُّعَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ تَحْطِيمِ الذُّنُوبِ، وَالْحَطْمُ هُوَ الِانْكِسَارُ، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ فِي بِنَائِهَا، فَلِذَلِكَ قَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَوَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ نَوَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ، انْتَهَى. وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَنُقِلَ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَرَى أَنْ يَسْأَلَ، فَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ مَالُهُ فِي الْكَعْبَةِ فَيَدْفَعُ ثُلُثَهُ لِلْخَزَنَةِ يَصْرِفُونَهُ فِي مَصَالِحِهَا، فَإِنْ اسْتَغْنَتْ عَنْهُ بِمَا أَقَامَهُ السُّلْطَانُ مِنْ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ شَيْئًا، وَلَا أَعْرِفُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ تَأْوِيلًا، فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ أَحَبُّ إلَيَّ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ، انْتَهَى.
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَنَصَّهُ أَبُو عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ: مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ إخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ لَا كَفَّارَةِ يَمِينٍ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهِ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِدَلِيلِ هَذَا الْفَرْعِ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ مَا نَصُّهُ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَالَ: مَالِي فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ طِيبِهَا أَهْدَى ثُلُثَ مَالِهِ يَدْفَعُهُ إلَى الْحَجَبَةِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالظَّاهِرُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُلُوكَ تَكَفَّلَتْ بِالْكَعْبَةِ، وَلَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يَكْسُوهَا، وَالْحَجَبَةُ لَا يُؤْمَنُونَ فِي الْغَالِبِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ، وَهُوَ يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَوَّازِيَّةِ، انْتَهَى. يُشِيرُ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنْ قَصُرَ يَعْنِي ثَمَنَ الْهَدْيِ عَنْ التَّعْوِيضِ، فَقَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ يَتَصَدَّقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَفِيهَا أَيْضًا يَبْعَثُهُ لِخَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُنْفَقُ عَلَيْهَا، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَشْعَرَ قَوْلُهُ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا، وَفِي قَوْلِ مَالِكٍ إشْكَالٌ وَلَعَلَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوجِبُ لِنِسْبَةِ ذَلِكَ لِلْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْكَعْبَةَ لَا تُنْقَضُ وَتُبْنَى، وَلَا يَكْسُوهَا إلَّا الْمُلُوكُ، وَيَأْتِيهَا مِنْ الطِّيبِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَهِيَ إنْ كَانَتْ تُكْنَسُ فَمَكَانِسُهَا مِنْ خُوصٍ قَبْلَ الْكَنْسِ لَا تُسَاوِي الْفَلْسَ وَبَعْدَهُ تُسَاوِيَ الدِّرْهَمَ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَأْكُلَهُ الْخَزَنَةُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَصْدِ النَّاذِرِ فِي شَيْءٍ لَكِنْ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا يَدْفَعُ هَذَا الْإِشْكَالَ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ الْكَعْبَةُ تَصَدَّقَ بِهِ، وَسَاقَهُ ابْنُ يُونُسَ عَلَى أَنَّهُ تَقْيِيدٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، انْتَهَى. وَلِقُوَّةِ ذَلِكَ عِنْدَهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَنَقَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامَهُ وَقَبِلَهُ غَيْرَ أَنَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ هَارُونَ فَمَا أَدْرِي تَصَحَّفَ عَلَيْهِ أَمْ قَالَهُ ابْنُ هَارُونَ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فُرُوعٌ الْأَوَّلُ قَالَ أَنَا أَضْرِبُ بِمَالِي أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِعَيْنِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ أَوْ الرُّكْنَ]
(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ قَالَ أَنَا أَضْرِبُ بِمَالِي أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِعَيْنِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ أَوْ الرُّكْنَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنَا أَضْرِبُ بِكَذَا الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ فَلْيَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرْ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُرِدْ حُمْلَانَ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى عُنُقِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ أَرَادَ حُمْلَانَهُ وَكَانَ يَقْوَى عَلَى حَمْلِهِ فَكَذَلِكَ يَحُجُّ أَوْ يَعْتَمِرُ رَاكِبًا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَقْوَى عَلَى حَمْلِهِ مَشَى وَأَهْدَى، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا قَالَ: أَنَا أَضْرِبُ بِكَذَا لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ أَوْ الْكَعْبَةَ وَأَرَادَ حَمْلَهُ عَلَى عُنُقِهِ مَشَى إلَى الْبَيْتِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَأَهْدَى، فَلَا يَحْمِلُهُ، ثُمَّ يَدْفَعُ مَا سَمَّى إنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ ثَمَنَ هَدْيٍ إلَى خَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهَا، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ اُنْظُرْ الْهَدْيُ هُنَا خَفِيفٌ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَضْرِبُ بِمَالِي حَطِيمَ الْكَعْبَةِ، أَيْ أَسِيرُ بِهِ وَأُسَافِرُ بِهِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute