للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ]

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخَاتَمِ فَيَتَحَصَّلُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ، وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِعْلِهِ، وَالْكَرَاهَةُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ كَمَا فَهِمَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: اُخْتُلِفَ هَلْ يَسْتَنْجِي بِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَأَنْ لَا يَفْعَلَ أَحْسَنُ؟ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ» ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ» فَإِذَا نُزِّهَتْ الْيُمْنَى عَنْ ذَلِكَ فَذِكْرُ اللَّهِ أَعْظَمُ، وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَهُوَ فِي هَذَا أَوْلَى انْتَهَى، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي تَوْجِيهِ اجْتِنَابِهِ التَّخَتُّمَ فِي الْيُمْنَى مَا نَصُّهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَخْلَعَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَخَتَّمَ فِي شِمَالِهِ انْتَهَى، وَالتَّحْرِيمُ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُمَا، وَمِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ فِي الْعَارِضَةِ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ: أَنْ يُنْزَعَ الْخَاتَمُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ فَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِهِ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: فِيهَا شَرْحٌ مُشْكِلٌ.

رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِي وَهَذِهِ رِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَجْرِيَ النَّجَاسَةُ عَلَى اسْمِهِ قَدْ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ مَنْبُوشٌ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَتَرَكْت الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ لِحُرْمَةِ اسْمِ مُحَمَّدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْكَرِيمُ الشَّرِيفُ وَلَكِنْ رَأَيْت لِلِاشْتِرَاكِ حُرْمَةً. انْتَهَى، وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَسْتَنْجِيَ وَالْخَاتَمُ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِنْ كَانَ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إجَازَةُ ذَلِكَ لَكِنْ هِيَ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَنْ آخِرِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَرَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يُلْتَفَتَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُنْسَبَ إلَى آحَادِ الْعُلَمَاءِ فَضْلًا عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ لِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ التَّعْظِيمِ لِجَنَابِ اللَّهِ وَجَنَابِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا هُوَ مَشْهُورٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

قَالَ فِي الْإِرْشَادِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ وَأَنَّهُ بِالشِّمَالِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا خَاتَمٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ نَقَلَهُ إلَى النَّهْيِ قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الشَّامِيُّ فِي شَرْحِهِ وُجُوبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَسُكُوتٌ إلَّا لِمُهِمٍّ)

ش: قَالَ فِي الْمَدْخَلِ: مِنْ الْخَصَائِلِ الْمَطْلُوبَةِ تَرْكُ الْكَلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ ذِكْرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَعِيذَ عِنْدَ الِارْتِيَاعِ وَيَجِبُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ فِي أَمْرٍ يَقَعُ مِثْلُ حَرِيقٍ أَوْ أَعْمَى يَقَعُ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا يَحْمَدُ لَوْ عَطَسَ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يُجِيبُ مُؤَذِّنًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَبِالْفَضَاءِ تَسَتُّرٌ وَبُعْدٌ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِي الْفَضَاءِ أَنْ يَسْتَتِرَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَأَنْ يَبْعُدَ حَتَّى لَا يَسْمَعُوا لَهُ صَوْتًا وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ الْغَائِطَ أَبْعَدَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ أَبْعَدَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: (الْبَرَازُ) بِالْفَتْحِ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ وَذَكَرَ الدَّمِيرِيُّ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ بِمَكَّةَ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ خَرَجَ إلَى الْمُغَمَّسِ، قَالَ نَافِعٌ: وَهُوَ عَلَى نَحْوِ مِيلَيْنِ مِنْ مَكَّةَ رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو يَعْلَى.

(قُلْت) وَهَذَا الْإِبْعَادُ لَيْسَ لِلتَّسَتُّرِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ تَعْظِيمُ الْحَرَمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، فَذِكْرُهُ هُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ» قَالَ فِي الطِّرَازِ إثْرَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَحْضُرُهَا وَيَرْصُدُهَا بِالْأَذَى فَأَمَرَ بِالسَّتْرِ لِئَلَّا يَقَعَ عَلَيْهِ بَصَرٌ أَوْ تَهُبُّ رِيحٌ فَتُصِيبُهُ نَجَاسَةٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَعِبَ بِهِ الشَّيْطَانُ وَقَصَدَهُ بِالْأَذَى. انْتَهَى.

وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ الْمُصَنِّفُ بِالتَّسَتُّرِ عَنْ الْبُعْدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَتِرُ بِشَيْءٍ وَلَا يَكُونُ بَعِيدًا بِحَيْثُ يُسْمَعُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ.

ص (وَاتِّقَاءُ جُحْرٍ)

ش:

<<  <  ج: ص:  >  >>