للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصَلِّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ]

ص (فَصْلٌ سُنَّ الِاسْتِسْقَاءُ لِزَرْعٍ أَوْ شُرْبٍ بِنَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ بِسَفِينَةٍ رَكْعَتَانِ جَهْرًا) ش الِاسْتِسْقَاءُ: طَلَبُ السَّقْيِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: الِاسْتِسْقَاءُ يَكُونُ لِأَرْبَعٍ: الْأَوَّلُ لِلْمَحَلِّ وَالْجَدْبِ، وَالثَّانِي: عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى شُرْبِ شِفَاهِهِمْ أَوْ دَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ فِي سَفَرٍ فِي صَحْرَاءَ أَوْ فِي سَفِينَةٍ أَوْ فِي الْحَضَرِ وَالثَّالِثُ: اسْتِسْقَاءُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلٍّ وَلَا حَاجَةٍ إلَى الشُّرْبِ وَقَدْ أَتَاهُمْ مِنْ الْغَيْثِ مَا إنْ اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ كَانُوا فِي دُونِ السَّعَةِ، فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَسْقُوا وَيَسْأَلُوا اللَّهَ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ قَوْمٍ احْتَاجُوا زِيَادَةً إلَى مَا عِنْدَهُمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَسْقُوا، وَالرَّابِعُ: اسْتِسْقَاءُ مَنْ كَانَ فِي خِصْبٍ لِمَنْ كَانَ فِي جَدْبٍ وَمَحَلٍّ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فَالْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا وَالثَّالِثُ مُبَاحٌ وَالرَّابِعُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ بِأَنَّهُ رَدَّ الرَّابِعَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الدُّعَاءُ وَنَصُّهُ اللَّخْمِيُّ وَلِنُزُولِ الْجَدْبِ بِغَيْرِهِمْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَلِحَدِيثِ «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» «وَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ» وَرَدَّهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ الدُّعَاءُ لَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ انْتَهَى.

وَأَنْكَرَ ابْنُ رُشْدٍ الصَّلَاةَ فِي الثَّالِثِ وَتَأَوَّلَ الِاسْتِسْقَاءَ فِيهِ بِالدُّعَاءِ وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي رَسْمِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي أَهْلِ قَرْيَةٍ: إنَّمَا يَشْرَبُونَ مِنْ الْأَمْطَارِ إذَا كَانَ سَالَ وَادِيهِمْ فَيَزْرَعُونَ وَيَشْرَبُونَ وَكَانَ عَامٌ قَلَّ الْمَطَرُ عَلَيْنَا فَنُمْطَرُ مَا نَزْرَعُ عَلَيْهِ الزَّرْعَ الْكَثِيرَ وَلَا يَسِيلُ وَادِينَا فَنَسْتَسْقِيَ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: إنَّهُ قِيلَ: الِاسْتِسْقَاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ وَأَنْتُمْ قَدْ مُطِرْتُمْ وَقَدْ زَرَعْتُمْ عَلَيْهِ زَرْعًا كَثِيرًا فَقَالَ: مَا قَالُوا شَيْئًا، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ إنَّهُمْ يَسْتَسْقُونَ يُرِيدُ الدُّعَاءَ لَا الْبُرُوزَ إلَى الْمُصَلَّى عَلَى سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ إلَى الْغَيْثِ حَيْثُ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْبُرُوزَ إلَى الْمُصَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ انْتَهَى.

فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إنَّ الِاسْتِسْقَاءَ سُنَّةٌ عَلَى الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَ الثَّالِثَ لَيْسَ سُنَّةً بَلْ إمَّا مُبَاحٌ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ أَوْ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَسَيُصَرِّحُ بِحُكْمِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِي جَوَازِهِ قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ.

(فَرْعٌ) وَإِذَا أَضَرَّ الْمَطَرُ بِالنَّاسِ دَعَوْا اللَّهَ وَتَضَرَّعُوا إلَيْهِ وَلَا يُقِيمُونَ لَهُ صَلَاةً.

قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَإِذَا تَضَرَّرُوا مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ فَلْيَسْأَلُوا الِاسْتِصْحَاءَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا» ، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «اللَّهُمَّ مَنَابِتَ الشَّجَرِ وَبُطُونَ الْأَوْدِيَةِ وَظُهُورَ الْآكَامِ» فِيهِ تَعْلِيمُ كَيْفِيَّةِ الِاسْتِصْحَاءِ، وَلَمْ يَقُلْ ارْفَعْهُ عَنَّا؛ لِأَنَّهُ رَحْمَةٌ وَنِعْمَةٌ فَكَيْفَ يُطْلَبُ رَفْعُهُ وَلَمْ يَقُلْ: اللَّهُمَّ اصْرِفْهُ إلَى مَنَابِتِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِوَجْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>