للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَجَاسَةٍ يُفَرَّقُ بَيْنَ عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ وَكَانَ شَيْخُنَا ابْنُ عَرَفَةَ يُفْتِي بِخِفَّةِ ذَلِكَ فَالْأَوَّلُ حَمَلَهَا عَلَى أَنَّ لَهَا نَفْسًا سَائِلَةً وَحَمَلَهَا الثَّانِي عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمَذْهَبِ قَوْلُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ الشَّبِيبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثٍ فَأَقَلَّ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ اسْتَخَفَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَسَمِعْتُ عَنْ بَعْضِ مَنْ عَاصَرْتُهُ مِنْ الْفُضَلَاءِ الصَّالِحِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ احْتَاجَ إلَى قَتْلِ قَمْلَةٍ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهَا يَنْوِي بِقَتْلِهَا الذَّكَاةَ لِيَكُونَ جِلْدُهَا طَاهِرًا فَلَا يَضُرُّهُ، وَلَا أَدْرِي هَلْ رَأَى ذَلِكَ مَنْقُولًا، أَوْ قَالَهُ مِنْ رَأْيِهِ إجْرَاءً عَلَى الْقَوَاعِدِ؟ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لَأَبْحَاثَ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْقَمْلَ مُبَاحٌ أَكْلُهُ، أَوْ مَكْرُوهٌ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا صَرِيحًا بَلْ رَأَيْتُ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّمِيرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْقَمْلَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ يَكُونُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ شَاسٍ فِي أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي مُحَرَّمِ الْأَكْلِ وَتُطَهِّرُهُ.

[فَرْعٌ الصِّئْبَانُ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ الْقَمْلِ]

(فَرْعٌ) الصِّئْبَانُ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْ الْقَمْلِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَلَا شَكَّ فِي طَهَارَتِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَمْلَةَ لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةً وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَهُوَ مَحِلُّ نَظَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ.

[ميتة الْآدَمِيِّ هَلْ هِيَ طَاهِرَة]

ص (وَآدَمِيًّا وَالْأَظْهَرُ طَهَارَتُهُ)

ش: يَعْنِي أَنَّ مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ نَجِسَةٌ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَوْلَ بِطَهَارَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا قَالَ فِي أَوَائِلِ الْجَنَائِزِ مِنْ الْبَيَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْ بَنِي آدَمَ لَيْسَ بِنَجِسٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ انْتَهَى.

وَجَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِطَهَارَتِهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ التَّنْبِيهَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي تُعَضِّدُهُ الْآثَارُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا لِحُرْمَةِ الْآدَمِيَّةِ وَكَرَامَتِهَا وَتَفْضِيلِ اللَّهِ لَهَا وَذَهَبَ بَعْضُ أَشْيَاخِنَا إلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ أَيْضًا وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ وَقَبِلَهُ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَاسْتَظْهَرَهُ فَقَالَ: وَالظَّاهِرُ طَهَارَةُ الْآدَمِيِّ كَقَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْقَصَّارِ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ شَعْبَانَ وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ الظَّاهِرُ طَهَارَةُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ لِتَقْبِيلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَصَلَاتِهِ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَاةِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِيهِ وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ انْتَهَى.

وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى قَصِّ أَظْفَارِهِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: الِاعْتِكَافُ لَا يُنَافِي إصْلَاحَ الرَّأْسِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَلَا إصْلَاحَ الظُّفْرِ وَهُوَ أَيْضًا طَاهِرٌ لَا يَنْجُسُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ نَجِسٌ تَكُونُ الْأَظْفَارُ نَجِسَةً انْتَهَى.

وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِتَشْهِيرِ الْقَوْلِ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَلَا مَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَلْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَحْكِي الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَجِّحُ الطَّهَارَةَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ اللَّخْمِيِّ أَخَذَ الْقَوْلَ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ كِتَابِ الرَّضَاعِ مِنْ نَجَاسَةِ لَبَنِ الْمَيِّتَةِ فَقَدْ أَخَذَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْقَوْلَ بِالطَّهَارَةِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ إدْخَالِهِ الْمَسْجِدَ

[فَرْعٌ فِي أَجْسَاد الْأَنْبِيَاء طَاهِرَة]

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ هَارُونَ: وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَدْخُلُ عِنْدِي أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ يَجِبُ الِاتِّفَاقُ عَلَى طَهَارَةِ أَجْسَادِهِمْ، وَقَدْ قِيلَ: بِطَهَارَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْحَدَثِ فَكَيْفَ بِجَسَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي مَيْتَة الْآدَمِيِّ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا عَدَا أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى طَهَارَتِهَا لَا سِيَّمَا جَسَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>