لَا يَعُودُ وَلَا يَكُونُ فِي مُعْتَكَفِهِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْهُ الصَّوْمُ فَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: إذَا مَرِضَ فَأَقَامَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى اعْتِكَافِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ مِنْ الضَّعْفِ فَيُفْطِرُ فَقَالَ: يَعْتَكِفُ وَهُوَ مُفْطِرٌ لَيْسَ هَذَا اعْتِكَافًا وَلَكِنْ يَخْرُجُ ثُمَّ يَقْضِي وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَخْرُجُ إلَّا لِمَرَضٍ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْمَقَامَ وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي بَعْضِ يَوْمٍ رَجَعَا حِينَئِذٍ. فَاخْتُلِفَ فِيهِ قَوْلُهُ فَقَالَ فِيمَنْ أَتَى عَلَيْهِ يَوْمُ الْفِطْرِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ اعْتِكَافِهِ بَقِيَّةٌ هَلْ يَخْرُجُ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُفْطِرٌ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمَ فِي مُعْتَكَفِهِ عَلَى اعْتِكَافِهِ؟
وَهَذَا كُلُّهُ أَصْلٌ وَاحِدٌ فَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يَعُودُ الْمَرِيضُ وَلَا الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَيَكُونُ الْآخَرُ يَوْمَ الْعِيدِ فِي بَيْتِهِ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَرِيضِ وَالْحَائِضِ يَعُودَانِ فِي بَعْضٍ وَيَكُونَانِ عَلَى اعْتِكَافِهِمَا وَهُمَا مُفْطِرَانِ لَا يَخْرُجُ الْمَرِيضُ إذَا غَلَبَ عَلَى الصَّوْمِ وَلَا يَخْرُجُ الْآخَرُ يَوْمَ الْعِيدِ وَهَذَا أَصْوَبُهُمَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إذَا أَصْبَحَ» ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَلِقَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ بِغَيْرِ صَوْمٍ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ الْأَخِيرَةَ يَعْتَكِفُهَا وَلَا يَصُومُ صَبِيحَتَهَا وَلِقَوْلِ سَحْنُونٍ فِي الْحَائِضِ إذَا خَرَجَتْ لَا تَتَصَرَّفُ وَهِيَ عَلَى الِاعْتِكَافِ وَكَذَا أَرَى أَنْ لَا يُمْنَعَ مَنْ كَانَ صَحِيحًا عَاجِزًا عَنْ الصَّوْمِ، انْتَهَى. وَمَا قَالَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: إنَّهُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَعَلَى ذَلِكَ اعْتَمَدَ فِي الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قَالَ: كَأَنْ مُنِعَ مِنْ الصَّوْمِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ عِيدٍ.
ص (وَلَوْ نَذْرًا)
ش: أَيْ الِاعْتِكَافُ كَمَا قَالَ فِي الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ أَيْ وَلَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ مَنْذُورًا وَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَالَ فِي الصَّغِيرِ: وَلَوْ نَذَرَ أَيْ الصَّوْمَ وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا يَكْفِي فِيهِ مُطْلَقُ الصَّوْمِ فَلَا يَصِحُّ فِي رَمَضَانَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَمَسْجِدٍ)
ش: أَيْ فِي صِحَّتِهِ بِمُطْلَقِ مَسْجِدٍ أَيْ مَسْجِدٍ مُبَاحٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ فِي مَسَاجِدِ الْبُيُوتِ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ مَالِكٍ لِرَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ خِلَافَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، انْتَهَى. مِنْ رَسْمِ مَرَضٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ
[فَرْعٌ الِاعْتِكَافُ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ]
(فَرْعٌ) قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ: يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَّا الْمَسْجِدَ. وَلِجَوَازِ النَّافِلَةِ فِيهَا وَلَا يَضُرُّ أَنْ يَرْقَى إلَيْهَا بِدَرَجٍ كَالْمَسْجِدِ يُرْقَى إلَيْهِ كَذَلِكَ وَهُوَ جَائِزٌ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْتِ تَحْجِيرًا خَاصًّا وَهُوَ غَلْقُهَا فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلْفَرْضِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْفَرْضِ فِيهَا يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَقَاصِيرِ الْمُعَدَّةِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِلْأُمَرَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَكَذَا عِنْدِي يَجْرِي الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِيهَا أَيْ عَلَى الْكَعْبَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْفَرْضِ وَعَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهَا وَمِنْ هَذَا النَّظَرِ بَيْتُ الْقَنَادِيلِ وَالصَّوْمَعَةِ وَظَهْرُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَفِي الِاعْتِكَافِ فِي بَعْضِهَا خِلَافٌ وَكَذَلِكَ صُعُودُ الْمَنَارِ وَالسَّطْحِ وَاخْتُلِفَ فِي الْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْشِي لِمُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ وَكَذَا مَنْ فِي الْكَعْبَةِ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ مِنْهَا وَالصَّلَاةِ خَارِجَهَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَمْنَعُ الْفَرْضَ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْمَسْجِدَ وَهُوَ ابْنُ لُبَابَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْكَعْبَةِ بِالْإِطْلَاقِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ خُصُوصِيَّةً فِي الِاعْتِكَافِ لِذِكْرِهِ فِيهِ
ص (وَتَجِبُ بِهِ)
ش: قَالَ الشَّارِحُ: الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الِاعْتِكَافِ أَيْ لِمَنْ فَرْضُهُ الْجُمُعَةُ وَنَوَى اعْتِكَافًا تَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ زَمَنِهِ بِالْجَامِعِ، انْتَهَى. فَتَقْدِيرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى فِي وَأَنَّ مَجْرُورَهَا عَائِدٌ لِلِاعْتِكَافِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِهِ أَيْ تَجِبُ فِي زَمَنِ اعْتِكَافِهِ.
ص (وَإِلَّا خَرَجَ وَبَطَلَ)
ش: اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ هَلْ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِعِصْيَانِهِ أَوْ لَا يَبْطُلُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute